آخر، قال الهدهد: قد علمت ذلك ولكن سبب جلوسي هنا أني رأيت صبياً قد نصب لي فخاً يريد أن يوقعني فيه فأنا أتفرج عليه وأسخر من كونه يسعى في أمر باطل ويضيع وقته في ما لا يتحصل منه على طائل، فمضى الصالح في حاجته ورجع فرأى الهدهد ي يد الصبي فقال له: كأنك وقعت له في الفخ طوعاً أردت أن تنظر هل له من الاقتدار عليك نوعاً فإنك كنت حريصاً على أن لا تقع في مكايد هذا الصبي ورأيت أنه لا يحصل له إلا التعب والعي ولو لم يكن ذلك فأنت ترى الماء تحت الأرض أفلا تنظر حبل الفخ؟ فقال له الهدهد: ذلك لا يمنع من إنفاذ القضاء والقدر إذا جاء القضا عمي البصر. فاشترى ذلك الرجل الصالح الهدهد من الصبي وأطلقه وحرره وأعتقه.
وإنما أوردت هذا المثل ليقل عني توبيخك وتقريعك وتتعاطى أسباب خلاصي من هذه القضية ولو بان يكون مسكني بعدها في البرية وذلك بحسن تدبيرك على ما تقتضيه سابق الصحبة وقديم المودة وما أعهده عنك من طيب الأعراق ومكارم الأخلاق وسابق الصحبة وقديم المودة والمحبة وما أعهده عنك من وفور الشفقة وحسن الوفاء والقيام بحق الإخاء وقد قيل:
دعوى الأخاء على الرخاء كثيرة ... بل في الشدائد تعرف الأخوان
وأنا أسألك بالله وسالف حقوق المودة والصداقة أن تكف عني توبيخك فقد آلمني أكثر مما أنا فيه، فرق له العادل وقال: حباً وكرامة ولو لم تقل لي ذلك لما كان يسعني التخلص عن خلاصك وإنما قلت لك ما قلت من شدة ما نابني من الحرق والأرق وقد قبل أربعة أشياء فرض في شريعة المودة وطريق الأخوة الأول المشاركة في هموم الأخوان ونوازلهم، الثاني إذا أخطأ أحدهم يردونه إلى