وإطاعة سائر الوحوش والطيور فلا يرد الأخير أو أنا، أشر عليكم برأي لكم فيه إصلاح وسداد وهو أن ترسلوا معي قاصداً تختارونه فينظر مصداق ما قررته لكم ثم يأخذ لكم منه عهداً بما يقع عليه الاتفاق، فأعجبهم هذا الرأي وأرسلوا معه ظبياً عاقلاً لبيباً وتوجه مع الحمامة فلما قربا من المعسكر سبقت الحمامة وأخبرت بما وقع فتقدم المقدم وقبل الأرض وقال: أسأل صدقات الملك إذا وقع من القاصد سؤال أن أتصدى لجوابه بإجازتكم، فإن الصواب أن يكون في خدمة الملك من يرد الجواب عنه فربما حصل خطأ في الجواب فينسب إليه ذلك الخطأ فإن نسبة الخطأ إلى الخادم أهون من نسبته إلى المخدوم. فاستحسن الملك ذلك وأجاب إليه ثم إنهم تلقوا الظبي بالترحاب فلما وصل إلى حضرة الملك قبل الأرض بين يديه وأدى الرسالة بعد أن قرب من الحضرة وأذن له في جلوسه وخاطبه بما أزال دهشته وأبعد وحشته وأجاب سؤاله وأعطاه عهداً وميثاقاً بكل ما سأله لجماعة من الوحوش والغزلان وأن لا يريق لهم دماً ولا يهتك لهم حرماً وأنهم يرعون حيث شاءوا ويسرحون أينما أرادوا آمنين مطمئنين ثم قال الطير: يا مولانا الملك نحن قوم ضعاف مختلفو الأماكن متباينو الأجناس لم تزل العداوة بيننا قائمة ونار الفتنة مشتعلة فينا غير نائمة يمزق القوي منا الضعيف ويأكل القادر لحم العاجز بعضنا في الجبال وبعضنا في الغياض وبعضنا تحت الأرض والأوكار كقطيع الغنم مجتمعين واجتماعنا يعسر علينا وحفظنا يشق على الملك ولابد من ترتيب قاعدة وتأسيس أمر يكون فيه اجتماعنا هيناً وحفظنا جميعاً متيسراً.