فقال ما فعل الغريب: فقلت: ها أنا رحمك الله، قال: أنت أولى بالقراءة، قال: وكنت مع ذلك حسن الصوت، مدادا به، فاستفتحت فملأ صوتي مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
فقرأت ثلاثين آية فأشار بيده أن اسكت فسكت، فقام إليه شاب من الحلقة، فقال: يا معلم أعزك الله، نحن معك وهذا رجل غريب.
وإنما رحل للقراءة عليك، وقد جعلت له عشرا واقتصر على عشرين فقال: نعم وكرامة فقرأت عشرا فقام فتى آخر، فقال كقول صاحبه فقرأت عشرا وقعدت واقتصرت على عشرين، حتى لم يبق له أحد ممن له قراءة.
فقال لي: اقرأ فأقرأني خمسين آية فما زلت أقرأ عليه خمسين في خمسين حتى قرأت عليه ختمات قبل أن أخرج من المدينة، توفي ورش بمصر سنة سبع وتسعين ومائة١.
١٠- قالون أبو موسى عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى الزرقي، مولى بني زهرة.
قارئ أهل المدينة في زمانه ونحويهم.
قيل: إنه كان ربيب نافع، وهو الذي لقبه قالون لجودة قراءته، وهي لفظة رومية معناها جيد، لم يزل يقرأ على نافع حتى مهر وحذق.
وروى الحديث عن شيخه، وعن محمد بن جعفر بن أبي كثير، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعرض القرآن أيضا على عيسى بن وردان الحذاء وتبتل لإقراء القرآن والعربية.
وطال عمره وبعد صيته، قال عثمان بن خرزاذ: حدثنا قالون، قال: قال لي نافع: كم تقرأ علي؟ اجلس إلى أسطوانة حتى أرسل إليك من يقرأ، وقال علي بن الحسن الهسنجاني الحافظ: كان قالون شديد الصمم، فلو رفعت صوتك، لا إلى غاية لا يسمع فكان ينظر إلى شفتي القارئ، فيرد عليه اللحن والخطأ، قلت: قرأ عليه بشر كثير منهم ولداه أحمد وإبراهيم، وأحمد بن يزيد الحلواني، ومحمد بن هارون أبو نشيط، وحمد بن صالح المصري.
وسمع منه إسماعيل القاضي، وموسى بن إسحاق الأنصاري القاضي، وأبو زرعة الرازي، وإبراهيم بن ديزيل ومحمد بن عبد الحكم القطري.
١ انظر/ شذرات الذهب "١/ ٣٤٩". سير أعلام النبلاء "٩/ ٢٩٥". طبقات ابن الجزري "١/ ٥٠٢".