للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثاني

(حكم الحسبة والحكمة منها ومراتبها)

حكم الحسبة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

روى مسلم وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان)).

قال الحافظ أبو العباس القرطبي في شرح هذا الحديث: "قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من رأى منكم فليغيره بيده))، هذا الأمر على الوجوب؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الإيمان، ودعائم الإسلام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولا يعتدُّ بخلاف الرافضة في ذلك؛ لأنهم إما مكفرون فليسوا من الأمة، وإما مبتدعون فلا يُعتد بخلافهم لظهور فسقهم ووجوب ذلك بالشرع لا بالعقل؛ خلافًا للمعتزلة القائلين بأنه واجبًا عقلًا.

والأدلة من القرآن الكريم على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة؛ منها: قول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: ١٠٤) , ففي هذه الآية بيان الإيجاب، فإن قول الله تعالى {وَلْتَكُنْ} أمرًا وظاهر الأمر الإيجاب، وفيها بيان أن الفلاح منوطًا به؛ إذ حصر، وقال: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

ومن الآيات الدالات أيضًا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: ٢) , وهو أمر جزم ومعنى التعاون الحث عليه، وتسهيل طرق الخير، وسد سبل الشر والعدوان بحسب الإمكان.

<<  <   >  >>