للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: إن الاحتساب المثمر هو الذي يجعل المحتسب عليه، قابلًا للاحتساب راضيًا به، مقتنعًا بضرورته ومضمونه؛ حتى يكون له من نفسه وازع يمنعه من العودة إلى المنكر، وهذا كله يُحتمل حصوله بقدر أكبر إذا كان الاحتساب بالرفق، وعدم الغضب والعنف، وبالمحاججة والمناقشة الهادئة المقنعة.

فقد روى الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- عن أبي أمامة -رضي الله عنه-: ((أنّ غلامًا شابًّا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبي الله، أتأذن لي في الزنا؟ فصاح الناس به، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: قربوه، ادن فدنا حتى جلس بين يديه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أتحبه لأمك، فقال: لا، جعلني الله فداك. قال: كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم. أتحبه لابنتك؟ قال: لا، جعلني الله فداك. قال: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم. أتحبه لأختك؟ حتى ذكر -صلى الله عليه وسلم- العمة والخالة. والغلام يقول في كل واحدة: لا. جعلني الله فداك والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول له: كذلك الناس لا يحبونه، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه على صدره، وقال: اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصّن فرجه، فلم يكن شيء أبغض إليه من الزنا)).

رابعًا: إنّ الاحْتِسَاب يجري على السلطان كما يجري على غيره، كما بينا ذلك. والسُّلطان بِحَاجة إلى التلطف معه، لما يُحِسُّ من نفسه من السلطة، ولأنه محتاج إلى الهيبة، وقد يتطاول عليه المغرضون بحجة الاحتساب، فمنعًا لذلك ومراعاة لما يحس هو من نفسه، كان الرفق معه في الاحتساب هو المطلوب. وبهذا أشار الفقهاء، وقد أفردنا الاحتساب على السُّلطان بدَرْسٍ مُسْتَقِلٍّ، ويُقاس على السلطان نوابه، وولاة الأمور.

وقد يَدُلُّ على ما قلناه أو يؤديه أنّ اللهَ -تبارك وتعالى- أمر نبيه موسى -عليه السلام- وأخاه هارون وقد أرسلهما إلى فرعون فقال لهما: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (طه: ٤٣، ٤٤).

<<  <   >  >>