والظاهر - والله أعلم - أن الإجماع في الحالتين الأولى والثانية مفيد للقطعية في الدليل، أما في الحالة الأولى فلأن الإجماع على تصديق الخبر لا يمكن أن يكون خطأ فيجب أن يكون الخبر كما أجمعوا عليه، وأما في الحالة الثانية فلأن الإجماع على تصحيح الخبر يجعله قطعيا، وإن كان تصحيح كل واحد له هو بحسب ظنه، وقطعيته لذلك الإجماع لا لنفس الخبر، فهو أمر ظني أجمع عليه فارتفع بكونه سبيل المؤمنين إلى اليقين وعدم جواز الخُلف، أما الحالة الثالثة فالظاهر أن الخبر فيها غير قطعي، لأنه خبر لم يعلم أن الإجماع وقع عليه. والله أعلم.
وأما كون الإجماع مفيدا القطعية في الدليل من حيث الدلالة فذلك فيما كان من الأدلة غير قطعي الدلالة واحتمل أن يراد منه غير ظاهره من حيث اللفظ فوقع الإجماع على المراد منه، فيصير الدليل قطعيا في أن المراد منه هو ذاك الذي وقع عليه الإجماع.
ومن ذلك الإجماع على القياس١، فإنه يجعله قطعيا وإن لم يكن كذلك بالنظر إليه مجردا، وقد ذكر أهل العلم جملة من الأقيسة التي أجمع
١ مذهب الجمهور: جواز استناد الإجماع إلى قياس، ومنعه الشيعة وداود الظاهري وابن جرير الطبري، وفصل فيه بعضهم فجوز ذلك في القياس الجلي دون الخفي، وأدلة المخالف يظهر منها أن خلافه من أجل عدم إمكان تصور ذلك لا في أنه لو وقع لكان قطعيا، وما ذكر هنا مبني على إمكان التصور وعلى الوقوع. انظر المسألة في إحكام الأحكام للآمدي١-٢/٢٢٤ والبحر المحيط ٤/٤٥٢-٤٥٣.