للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين الأدلة، فإذا احتمل الدليل معنى آخر غير ما ظهر للناظر احتمالا مبرَّرا ولم يكن من القرائن ما يدفع ذلك الاحتمال فإن مثل ذلك يضعف قوة الدليل ويجعل غيره مما ليس فيه احتمال راجحا عليه عند التعارض، وإذا كان الاحتمال ظاهرا مساويا للمعنى الظاهر ضعف الاستدلال مطلقا واحتاج الدليل إلى بيان من خارج.

وهو أمر ظاهر في أصول الفقه.

فهذا الإمام الشافعي - رحمه الله - قسّم دليل الكتاب إلى نص لا يحتاج إلى بيان، وإلى ما يحتمل أمورا عديدة فهو بسبب الاحتمال محتاج إلى البيان، قال: "فمنها قول الله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} ١ فاحتمل قول الله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} ٢ أن يتزوجها غيره وكان هذا المعنى الذي يسبق إلى من خوطب به أنها إذا عقدت عليها عقدة النكاح فقد نكحت، واحتمل حتى يصيبها زوج غيره لأن اسم النكاح يقع بالإصابة ويقع بالعقد، فلما قال رسول الله لامرأة طلقها زوجها ثلاثا ونكحها بعدُ رجل: "لا تحلين حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتكِ "٣، يعني حتى يصيبك زوج


١ سورة البقرة (٢٣٠) .
٢ بعض الآية السابقة.
٣ أخرجه البخاري ومسلم. انظر الصحيح مع الفتح ٩/٣٧١ وصحيح مسلم ٢/١٠٥٥-١٠٥٦. والمرأة المشار إليها في كلام الشافعي هي امرأة رفاعة القرظي، ورجح ابن حجر أن اسمها تميمة (بالتصغير) بنت وهب. انظر فتح الباري ٩/٤٦٤.

<<  <   >  >>