للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك أن هناك أوجه فرق بين الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الشهادة في الخصومات والأقضية، وحقيقة الفرق بينهما راجعة إلى أن ما يترتب على احتمال الكذب أو الوهم في الرواية من المحظورات لا يترتب على احتمال كذب الشاهد، بل إن مدار الحكم في الأقضية على الظواهر دون القطع واليقين بما في باطن الأمر والواقع في الحقيقة، كما في حديث أم المؤمنين أم سلمة١ - رضي الله تعالى عنها - أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع خصومة بباب حجرته فخرج إليهم وقال: "إنما أنا بشر وإنه ليأتيني الخصم، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأحسب أنه صدق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها"٢، أما الرواية فإنه يلزم من احتمال كذب بعضها - كالخبر الذي تلقته الأمة بالقبول - أن يكون الناس قد ضلوا الحق واعتمدوا الكذب وقالوا على الله بغير علم، وذلك باطل.

والله سبحانه وتعالى لم يتكفل بحفظ الدماء أن تهرق ولا بصيانة الأموال أن تؤخذ ولا الفروج أن تستباح بغير حق في الخصومات والأقضية


١ هي هند بنت أبي أمية حذيفةَ بن المغيرة أم المؤمنين أم سلمة القرشية المخزومية، كانت ذات عقل بالغ ورأي صائب، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة، وذلك بين سنة (٥٩) وسنة (٦٢) هـ على اختلاف أقوال أهل العلم. انظر الإصابة٨/٢٤٠-٢٤٢.
٢ رواه البخاري ومسلم. انظر صحيح البخاري مع فتح الباري٥/١٠٧ وصحيح مسلم ٣/١٣٣٨ وقد سبق تخريجه ص (خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.) .

<<  <   >  >>