والجواب بالفرق بين دعوى النبوة عن الله سبحانه وتعالى وبين الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باطراد العادة باستحالة صدق دعوى النبوة من مخبر واحد دون ضميمة معجزة، إذ هو يخبر عن الله سبحانه وتعالى بما لا يُعلم إلا من جهته، وثبوت النبوة له يستلزم أمورا عظيمة من الموالاة والقطع على طهارته ظاهرا وباطنا والتصديق في جميع ما يخبر به ونحو ذلك، وذلك يستدعي معجزة خارقة تدل على صدقه، بخلاف الراوي المخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم١.
الدليل الثاني: واستدل على القول الأول بأن الواحد العدل ليس معصوما من الخطأ والنسيان والوهم ونحوه مما يعرض للبشر، فاحتمال تلك العوارض وارد في حقه قطعا، بل إن الحكم بالعدالة هو بحسب الظاهر من حاله وليس يُقطع بأنه عدل في باطن أمره وسريرته، فاحتمال الكذب غير مدفوع عنه قطعا، ومع ورود هذه الاحتمالات لا يمكن القطع واليقين بأن ما قاله صدق وحق، بل ذلك على الظاهر واعتقاد الرجحان مع
احتمال خلافه.
قال إمام الحرمين: "والقول فيه أنه قد زَلَّ من الرواة الأثبات جمع لا يعدون كثرة، ولو لم يكن الغلط متصورا لما رجع راو عن روايته، والأمر
١ انظر الكفاية للخطيب البغدادي ص٥٤-٥٥ عند ذكره الرد على من يوجب القطع لقبول الرواية قياسا على مدعي النبوة.