ووجه قرب هذا المسلك مما قبله أن فيه اعتدادا ببعض الشروط لقوتها ونبذا لبعضها لبعدها، ولم يُشترط فيه لقطعية الإجماع أن يستكمل جميع الشروط كما في المسلك الأول.
والظاهر أن تحديد الإجماع القطعي يتفرع على مسألتين: أثر الخلاف في رفع القطعية وأثر الاحتمال في رفعها، فمن كان عنده مطلق الخلاف في الدليل رافعا للقطعية عنه كان كل ما اختلف في صحته من الإجماع غير قطعي، واقتصر القطعي عنده على ما لا يختلف فيه القائلون بالحجية وذلك المستكمل لجميع الشروط والقيود، ومن كان مذهبه أن الخلاف البعيد الباطل قطعا بالنظر إلى الأدلة لا يمنع القطعية لم يشترط لقطعية الإجماع ألا يختلف فيه.
ومن كان يعتد بأدنى شبهة احتمال في رفع القطعية كان كل إجماع احتمل عدم اتفاق الجميع - ولو احتمالا بعيدا غير معتضد - غير قطعي، أما من كان لا يعتد من الاحتمال إلا ما كان قريبا مناسبا في العادة والعرف الشرعي لم يمنع من القطع الاحتمالُ البعيد الغريب عن العرف الشرعي.
وعلى هذا قول ابن تيمية: "والإجماع قطعي الدلالة أو ظني الدلالة، فإن من الناس من يطلق الإثبات بهذا أو هذا ومن يطلق النفي لهذا أو لهذا، والصواب التفصيل بين ما يقطع به من الإجماع ويعلم يقينا أنه ليس فيه