للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

..............................................................................


= والسمعي النقلي عند تعارضهما، وهو أنه يقدم الدليل العقلي على الدليل النقلي السمعي مطلقا لأن العقل أصل السمع والدليل عليه، وتقديم الفرع على أصله قدح في الفرع فلزم تقديم العقلي عند تعذر العمل بهما أو تركهما.
وهذه القاعدة حرّرها الرازي وهي عنده ومن تبعه (قانون كلي) فيما يستدل به من الأدلة النقلية في المطالب القطعية من الأصول، ويوجد ما يشير إلى مثل ذلك في كلام بعض من سبقه من أئمة المتكلمين، كالغزالي والجويني والباقلاني. انظر درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ١/٤-٧، وكذلك في كلام علاء الدين السمرقندي انظر ميزان الأصول ص٤٣٣.
ووجه الفرق بين القاعدتين أن إحداهما في بيان أن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين مطلقا أو عند عدم انتفاء الاحتمالات العشرة المذكورة، وأما القاعدة الأخرى ففي إثبات جواز معارضة الدليل العقلي للدليل السمعي، ثم تقديم العقلي على السمعي عند تحقق المعارضة، قال شيخ الإسلام إشارة إلى القاعدتين وإلى وجه الفرق في الجواب عنهما في كتابه درء تعارض العقل والنقل١/٢٢ -: "فذاك كلام في تقرير الأدلة السمعية وبيان أنها قد تفيد اليقين والقطع، وفي هذا الكتاب كلام في بيان انتفاء المعارض العقلي وإبطال قول من زعم تقديم الأدلة العقلية مطلقا".
والقاعدتان متلازمتان، لأن قاعدة التوفيق عند تعارض العقل والنقل تنتهي إلى أن الدليل النقلي المعارض للدليل العقلي لا يفيد القطع واليقين، إذ إن الدليلين القطعيين لا يتعارضان في واقع الأمر. المرجع السابق١/٧٩-٨٠، ٨٦-٨٧،٦/٣.
ثم إن من الاحتمالات العشرة المذكورة في القاعدة الأولى احتمالَ المعارض العقلي، وهو أقوى الاحتمالات العشرة لكون القطع بعدمها لا يسهل عند أصحاب هذه القاعدة، وهذا الاحتمال بعينه أساس القاعدة الثانية، كما أن القول إن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين يلزم منه تقديم الدليل العقلي القطعي عليها، وسيأتي الجواب عن خصوص قاعدة التوفيق هذه عند الكلام على وجه الرد على خصوص احتمال المعارض العقلي من العشرة الاحتمالات.
والظاهر أن القاعدة الأولى التي في أصل البحث هنا أعم في نفي القطعية عن الأدلة السمعية، لأن القاعدة الثانية (قانون التوفيق) في خصوص نفي القطعية عن الأدلة السمعية عند معارضتها للأدلة العقلية. والله أعلم.

<<  <   >  >>