وأنكر هذا المعنى قوم وقالوا: من في الآية الأولى للتبعيض وفي الثانية للابتداء والمعنى فاجتنبوها وهو عبادتها ومثله قول تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}[آل عمران:١٧٢] وكلهم محسن متق وذكر بعضهم قولا أن من تختص بالتبيين.
إذا تقرر هذا فيتعلق بالقاعدة مسائل.
منها قوله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}[المائدة: ٦] فذهب الإمام أحمد إلى أنها للتبعيض هنا وأيد قوله بما صح عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال الصعيد تراب الحرث وقوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت الأرض كلها لنا مسجدا وجعل ترابها لنا طهورا"١ رواه مسلم.
ومنها: إذا قال رجل لآخر بع ما شئت من مالى فهل يبيع الجميع استعمالا للفظة من بمعنى التبيين أو البعض استعمالا لها بمعنى التبعيض؟
فظاهر كلام الأصحاب جواز بيع الجميع لأنهم قالوا: إذا وكله في بيع ماله أو ما شاء منه أو قبض ديونه كلها أو الإبراء منها أو مشاء منها صح قالوا: لأنه يعرف ماله ودينه فيعرف أقصى ما يبيع وما يقبض فيقل الغرر.
فجعلوا المصحح للبيع معرفة الموكل أقصى ما يفعله الوكيل وأقصى ما يفعله الوكيل هو بيع الجميع.
ومقتضى ذلك أنه لو وكله في بيع بعض ماله أنه لا يصح للجهالة.
وقد صرح بعض أصحابنا في طريقته أنه إن وكله في بعض ماله أن لا يصح أحد شيئين كطلاق إحدى زوجتيه وعتق إحدى عبديه أنه لايصح قال لجهالة الوكالة فلا يصح على قوله إذا وكله في بيع بعض ماله أو بيع أحد
١ رواه مسلم ونصه: عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد ماء" وذكر خصلة أخرى كتاب المساجد رقم: "٥٢٢".