والخامس إن كان بعد الحظر أمر صريح بلفظه كما لو قال أمرتكم بالصيد إذا حللتم فيقتضى الوجوب بخلاف صيغة افعل حكاه أبو محمد المقدسي بعد ما صدر المسألة بكلام مطلق وهو يقتضى التسوية عنده.
قال أبو البركات: وعندى أن هذا التفصيل هو كل المذهب.
قال أبو العباس: وكلام القاضى أبى يعلى وغيره يدل عليه فإنه صرح بأن هذا ليس بأمر صيغته صيغة الأمر وإنما هو إطلاق.
قال عبد الحليم وكلام ابن عقيل في الأدلة يعطى أنه إذا جاء خطاب بلفظ الأمر أو الوجوب اقتضى الوجوب وإن جاء بصيغة الأمر فإنه لا يكون أمرا بل مجرد إذن وهذا لا يتأتى في لفظ الأمر.
وللقاضى أبى بكر في الأمر بعد الحظر تفصيل حسن ذكره في الإرشاد١ وهو إن كان الحظر السابق على الأمر حظر ابتداء لا لعلة عارضة فالأمر هنا كالأمر المبتدأ الذي لم يسبقه حظر أصلا وإن كان الحظر لعلة عارضة بعد تقدم إطلاقه وإباحته فالأظهر حمل الأمر على الإذن ورفع الحظر وعليه تنزل أوامر القرآن.
ومحل الخلاف في الأمر بعد الحظر إذا كان من غير استئذان في الفعل أما إذا استأذن في الفعل بعد الحظر فلا يقتضى الوجوب بغير خلاف ذكره القاضى وسيأتى في القاعدة أمر بعد حظر واستأذن المأمور في فعله وفي وجوبه روايتان.
إذا تقرر فمن فروع القاعدة.
الأمر بزيارة القبور للرجال. أخذ غير واحد من أصحابنا من كلام الخرقى أنها مباحة لأن الأمر بزيارتها أمر بعد حظر فيقتضى الإباحة بناء على القاعدة. ولكن المذهب المنصوص عن أحمد أنها مستحبة وذكره بعضهم
١ الإرشاد للقاضي أبي بكر ابن الباقلاني واختصره أبو المعالي إمام الحرمين الجويني وفي كتاب سماه "التلخيص" انظر كشف الظنون "١/٧٠".