ومنها: الأمر بالكتابة في قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}[النور: ٣٣] قال طائفة من أصحابنا هو أمر بعد حظر لأن الكتابة بيع الرجل ماله بماله فإن العبد ماله وكسبه من ماله فبيع بعضه ببعض أكل مال بالباطل فيدخل في النهى عن أكل المال بالباطل وإذا كانت الكتابة محظورة في الأصل فالأمر بها بعد ذلك أمر بعد حظر فلا يفيد الوجوب بناء على القاعدة لكن يستحب كتابة ذى الكسب والأمانة وإن قلنا الأمر بعد الحظر للإباحة لما في ذلك من تحرير الرقبة وذلك مطلوب شرعا.
واختار أبو بكر عبد العزيز في تفسيره١ أن الكتابة في هذه الحال واجبة وذكرها في التنبيه رواية وهو متجه.
وما قيل من أنه أمر ورد بعد حظر فلا يصح وإنما غاية ما يقال فيه إنه رخصة لأنه شرع مع قيام السبب المحرم لعذر وهو الحاجة إلى تخليص رقبة من الرق وليست الرخص من قاعدة الأمر بعد الحظر.
وقد تقدم في قاعدة الرخصة أن من الرخص ما هو واجب.
قال أبو العباس وقياس قولنا بالوجوب ههنا أن تجب الإجابة إذا قال له أعتق عبدك عنى وعلى ثمنه.
قال شيخنا أبو الفرج في تعليقه على المحرر ووجهه بأنه بذل العوض فيما يزيل ضرر المضطر فوجب الإجابة إليه كما لو بذل أجنبى عن المضطر قيمة الطعام أو نحوه.
وقد يقال إنه ههنا إنما قصد نفع نفسه وثبوت الملك والعتق والولاية فلا تجب إجابته إليه كشراء ذوى رحمه الذين يعتقون عليه.
نعم لو قال أعتق عبدك وعلى ثمنه فقد يتوجه وجوب الإجابة لأن المصلحة للعبد ويتوجه أن يعتبر أن لا يكون محتاجا إلى خدمته وقد يقال يمكنه أن يشترى عوضه بما يؤدى إليه والله أعلم.
١ هو كتاب "تفسير القرآن" لأبي بكر عبد العزبز بن جعفر المعروف بـ "غلام الخلال" انظر طبقات الحنابلة "٢/١١٩".