مقابل ذلك أن يكون المكلف المنهي عن الزنا مأمورا بالنكاح أو التسري على التخيير لأن ترك الزنا يحصل بكل منهما فيصير من باب الواجب المخير فإن قال بذلك صح له التخريج المذكور لكن التسري لم نعلم أحدا قال بوجوبه تعيينا ولا تخييرا والله أعلم.
قلت: هذا الذي قال الطوفي متجه فيما إذا كان المكلف لا شهوة له أوله شهوة ويأمن على نفسه مواقعة الزنا أما إذا كان له شهوة وخاف على نفسه الوقوع في الزنا فإن الوطء المباح يتعين دون بقية الأضداد إذ ليس غيره يقوم مقامه في كسر الشهوة.
وأما قوله إنا لا نعلم أحدا قال بوجوب التسري تعيينا ولا تخييرا فلم يطلع على ما قاله الأصحاب في ذلك وقد ذكر غير واحد إذا قلنا بوجوب النكاح ففي الاكتفاء بالتسري وجهان لنا والذي يظهر الاكتفاء به والله اعلم.
ومنها: ما ذكره الطوفي وهو أن إرسال الطلقات الثلاث عندنا بدعة في رواية لتضمنه قطع مصلحة مأمور بإقامتها والاستمرار عليها وهي استدامة النكاح وقطع المأمور باستدامته منهى عنه وظاهر المذهب أنه ليس ببدعة انتهى.
وفيما ذكره نظر من حيث النقل ومن حيث المعنى.
أما من حيث النقل فالمذهب الذي نص عليه أحمد في رواية إسحاق وابن هانىء وأبي داود والمروذي وأبي بكر بن صدقة١ وأبي الحارث واختاره أكثر أصحابنا أن الثلاث بدعة وفي كون الثنتين بدعة قولان.
وأما من حيث المعنى فالمعنى الذي ذكره ليس مختصا بإرسال الطلقات بل يعم الطلاق المانع من استدامة النكاح فلو قال إن الطلاق من غير حاجة ينبني على ذلك لربما توجه ذلك ولنا في تخريجه من غير حاجة روايتان.
وقد يحسن بناء روايتي تحريم الطلاق من غير حاجة على أصل قاله أبو يعلى في تعليقه الصغير وأبو الفتح ابن المنى وهو أن النكاح لا يقع إلا فرض كفاية وإن كان ابتداء الدخول فيه سنة والله أعلم.
١ هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة [ت ٢٢٣هـ] وقد سبق التعريف به.