قال أبو البركات واعلم أنه قد يتضح من كلام القاضي واختياره أن قول الصحابي يترك به ظاهر العموم فيخص به إذا قلنا هو حجة وإذا خالف مقتضى اللفظ الظاهر غير العام عمل بالظاهر دون قوله وما ذاك إلا لضعف ظهور العموم.
إذا تقرر هذا فالتتابع بين جماعة من الأصوليين على أن مذهب الشافعي في الجديد أن قول الصحابي ليس بحجة.
وهذا فيه نظر ظاهر جدا فإنه لا يحفظ له في الجديد حرف واحد أن قول الصحابي ليس بحجة وغاية ما تعلق به هؤلاء من نقل ذلك أن الشافعي يحكى أقوالا للصحابة في الجديد ثم يخالفها وهذا تعلق ضعيف جدا فإن مخالفة المجتهد للدليل المعين لما هو أقوى منه في نظره لا يدل على أنه لا يراه دليلا من حيث الجملة بل خالف دليلا لدليل أرجح عنده منه.
وقد تعلق بعضهم بأنه يراه في الجديد إذا ذكر أقوال الصحابة موافقا لها لا يعتمد عليها وحدها كما يفعل بالنصوص بل يعضدها بضروب من الأقيسة فهو تارة يذكرها ويصرح بخلافها وتارة يوافقها ولا يعتمد عليها بل يعضدها بدليل آخر وهذا أيضا تعلق أضعف من الذي قبله فإن تضافر الأدلة وتعاضدها وتناصرها من عادة أهل العلم قديما وحديثا ولا يدل ذكرهم دليلا ثانيا وثالثا على أن ما ذكروه قبله ليس بدليل.
وأيضا فقد تقدم نص الشافعي رحمه الله أن قول الصحابي إذا خالف القياس أنه حجة وجزم به طائفة من محققي أصحابنا.
وأيضا فقد نص الشافعي رحمه الله في مواضع من الأم على أن قول الصحابي حجة وقدمه على القياس في بعضها.
فمن ذلك في كتاب الحكم في قتال المشركين فقال ما نصه وكل من يحبس نفسه بالترهب تركنا قتله اتباعا لأبى بكر رضي الله عنه ثم قال وإنما قلنا هذا إتباعا لا قياسا.