وقال بعض المعتزلة الواجب مبهم عندنا معين عند الله تعالى إما بعد اختياره واما قبله بأن يلهمه الله تعالى إلى اختياره وهذا القول يسمى قول التزاحم لأن الأشاعرة قال بعضهم الواجب واحد معين عند الله تعالى غير معين عندنا ولكن المكلف قد لا يفعله بل يفعل غيره ويقع نفلا بسقط به الفرض.
إذا تقرر هذا فهل النزاع بين الفقهاء ومن وافقهم من الاشاعرة وبين من قال من المعتزلة الجميع واجب هو في اللفظ أم في المعنى؟
فالذي قاله أبو الحسن البصرى١ وغيره الخلاف بين الفقهاء والمعتزلة في اللفظ دون المعنى قائلا أى هم يعنون بوجوب الجميع على التخيير أنه لا يجوز الإخلال بجميعها ولا يجب الإتيان بجميعها وللمكلف اختيار أي واحد كان وهو بعينه مذهب الفقهاء في خلاف في المعنى.
وأما في اللفظ فالخلاف أن المعتزلة يقولون وجوب الجميع على التخيير والفقهاء بوجوب واحد من حيث هو أحدها.
وأيضا فإن المعتزلة يطلقون الواجب على كل فرد بالحقيقة وعلى المشترك بالمجاز والفقهاء يعكسون فيهما.
وقال القطب تقرير قول أبى الحسين في شرح المختصر وفي كون هذه العناية رافعة للخلاف المعنوى نظر لان من ذهب من المعتزلة إلى أنه يثاب ويعاقب على كل واحد ولو أتى بواحد يسقط عنه الباقى بناء على أن الواجب قد يسقط بدون الأداء يقول بأنه لا يجوز الإخلال بجميعها ولا يجب الإتيان به مع أن الخلاف بينه وبين الفقهاء قائم في المعنى لان عند الفقهاء لا يثاب ولا يعاقب إلا على فعل واجب واحد أو ترك واجب واحد.
وكأن هذا مذهب من لم يعبأ به منهم إذ المعتبرون منهم كأبى هاشم
١ هو أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري [ت٤٣٦هـ] من مصنفاته "المعتمد في أصول الفقه" مطبوع بتحقيق محمد حميد الله "١٩٦٤ – ١٩٦٥م" بيروت و"تصفح الأدلة" وغدر الأدلة".