وقد ارشد الله تعالى عباده إلى تدبر كتابه وذم من لم يتدبره وقد قال تعالى:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وأخبر عن جن نصيبين أنهم لما سمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن بوادي نخلة منصرف من الطائف ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا ادعى الله وآمنوا به " الآية وأخبر تعالى عنهم في سورة الجن أنهم أنكروا الشرك الذي كان يفعله الإنس مع الجن من الاستعاذة بهم إذا نزلوا واديا وأخبر تعالى عن هدهد سليمان أنه أنكر الشرك وهو طائر من جملة الطير قال تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ*إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ*وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ*أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الآية فحديث الهدهد سليمان عليه السلام بما ورآهم يفعلونه من السجود ليغر الله والسجود نوع من أنواع العبادة فليت أكثر الناس عرفوا من الشرك ما عرفوا الهدهد فأنكروا وعرفوا الإخلاص فالتزموه بالله التوفيق فسبحانه من غرس التوحيد في قلب من شاء من خلقه وأضل من شاء عنه بعلمه وحكمته وعدله.
وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو فرض باليد واللسان والقلب مع القدرة فأما فرضه باليد واللسان فإنه من فروض الكفايات إذا قام به طائفة سقط عن الباقين وإن تركوه كلهم أثموا وأما القلب فلا يسقط عنه بحال قال الله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} وقال في حق من تركته: {كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} وفي الحديث الصحيح "من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك