من النسوة بل ذهب بعضهم إلى أقبح من هذا. فقالوا بإباحة الجمع بين ثمان عشرة تمسكا منه بأن العدد في تلك الصيغ يفيد التكرار والواو للجمع، فجعل مثنى بمعنى اثنين اثنين وكذلك ثلاث ورباع.
وفند زعمهم هذا القرطبي قائلا: وهذا كله جهل باللسان والسنة، ومخالفة لإجماع الأمة؛ إذ لم يسمع أن أحد من الصحابة والتابعين جمع في عصمته أكثر من أربع. ثم رد عليهم في موضع آخر، فقال: وأما قولهم: إن الواو جامعة، فقد قيل ذلك لكن الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثلاثة وأربعة، وكذلك تستقبح ممن يقول: أعط فلانا أربعة ستة ثمانية، ولا يقول: ثمانية عشر، وإنما الواو في هذا الموضوع بدل، أي: أنكحوا ثلاثا بدلا من مثنى، ورباع بدلا من ثلاث ولذلك عطف بالواو ولم يعطف بأو.
وأما قولهم: تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تسعا وجمع بينهن، فهذا من خصوصياته.
وكذلك رد على بعض أهل الظاهر القائلين بإباحة الجمع بين ثمان عشرة امرأة فقال: وكذلك جهلة الآخرون؛ لأن مثنى تقتضي اثنين اثنين، ثلاث ثلاثة ثلاثة، ورباع أربعة أربعة، ولم يعلموا أن اثنين اثنين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا حصر للعدد، ومثنى وثلاث ورباع بخلافها، ففي العدد المعدول عند العرب زيادة معنى ليست في الأصل، وذلك أنها إذا قالت: جاءت الخيل مثنى، إنما تعني بذلك اثنين اثنين، أي جاءت مزدوجة.
الترجيح:
وبعد أن استعرضت أقوال العلماء وأدلتهم مع مناقشة أدلة أصحاب الرأي الثاني القائلين بأنه يجوز للحر أن يجمع بين أكثر من أربع أرى بأن الراجح هو الرأي القائل بأنه لا يجوز للحر أن يجمع بين أكثر من أربع؛ لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة.