للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- وابتداء من ٩ يناير سنة ١٩٥١ -أي: بعد حوالي شهر من المقال السابق- بدأ إحسان عبد القدوس إثارة حملة الأسلحة الفاسدة من جديد، رابطًا بينها وبين قضية الفساد في الجيش المتهم فيها محمد حيدر باشا قائد الجيش. وقد حاول أن يتحايل على قرار النيابة بعدم النشر في الموضوع بأن نشرها في صورة ذكريات يحكي فيها قصة إثارته للقضية، ومن خلال هذه الذكريات أخذ يقدم تفاصيل جديدة عن القضية أعطت الحملة الصحفية دفعة قوية، وجمعت حولها الرأي العام من جديد، وقد أخذت الحملة الجديدة عنوان: كيف أثيرت تحقيقات الجيش أمام النيابة؟ والجديد في هذه المقالات أنها نشرت نص الوثائق التي تؤكد أقوال الكاتب، ومنها صورة لعقود التسليح التي أبرمت بين زوجة أحد الضباط وأحد تجار الأسلحة، وغير ذلك من الوثائق الهامة التي دفعت القضية إلى مرحلة جديدة أكثر إثارة للقراء وللرأي العام.

وهذا هو نص المقال الأول في هذه السلسلة، وهو بعنوان:

١- كيف أثيرت تحقيقات الجيش أمام النيابة؟

في يوليو عام ١٩٤٩ كنت في إيطاليا، وسمعت هناك عدة أحاديث عن صفقات الأسلحة التي عقدها مندبو الجيش المصري ووكلاؤه، وكانت هذه الأحاديث تشمل تفاصيل دقيقة، وتشمل أرقامًا وتواريخ، وكان يهمس بها في أذني رجال أثق في معلوماتهم بحكم مناصبهم الرسمية، ورغم ذلك فقد كانت مجرد أحاديث، قد تقال في صالون؛ ولكنها لا تصلح للنشر؛ لأنه يعوزها المستندات والأدلة. وهالني بعد ذلك أن هذه الأحاديث لا تدور في أوساط محددة -أقصد أوساط المصريين- بل إنها تدور في كل مكان وعلى لسان كل الناس، وكان يكفي أن تجلس في مقهى "الدونية" بروما، أو تطوف بميدان "الدوم" في ميلانو، ويُعرف عنك أنك مصري؛ حتى تسمع قصة صفقة من صفقات الأسلحة والذخائر!!

وأرسلت من روما برقية إلى "روزاليوسف" ألفت نظر الحكومة المصرية إلى هذه الأحاديث التي تؤذي سمعة مصر وسمعة جيشها، وأطالبها بإجراء تحقيق في هذه الصفقات ومحاكمة المسئولين عنها، وقد نشرت هذه البرقية تحت عنوان "محاكمة مجرمي حرب فلسطين"!

واعتقدت بذلك أني قد أديت واجبي.. وانتهيت!!

<<  <   >  >>