للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعدت إلى مصر في شهر أغسطس، فتبينت أني كنت مغرورًا عندما اعتقدت أن برقية واحدة تكفي كي تتحرك الحكومة المصرية -بجلالة قدرها- للتحقيق في حادث ما، حتى لو كان هذا الحادث يمس سمعة مصر وكرامتها وهيبتها.. فبدأت أكتب في كل مكان أستطيع أن أكتب فيه، وكنت أكتب تلميحًا لا تصريحًا، وأحرص على ذكر "الجيوش العربية" بدلًا من تحديد الجيش المصري بالذات.. ولكن كان قلمي أضعف من أن يلفت نظر أحد من المسئولين رغم كثرة خطابات التأييد التي كنت أتلقاها من غير المسئولين!

لم يهتم بي أحد، ولم يصدر بلاغ بتكذيب ما ألمحت إليه في مقالاتي، رغم أن بعض هذا التلميح كان أقرب إلى التصريح إلى أن انتهى الأستاذ محمود محمد محمود رئيس ديوان المحاسبة السابق من وضع تقريره، وأشار فيه إلى بعض صفقات الأسلحة والذخيرة إشارة صريحة مدعمة بالوثائق والمستندات، واعتقدت مرة ثانية أن دور الصحافة قد انتهى، واكتفيت بأن أشير في "روزاليوسف" إلى تقرير للديوان، وأنا أحمد الله على أن الحق قد بدأ ينتصر، وأن العدل قد بدأ يأخذ مجراه، وأن سمعة مصر وجيش مصر ستظهر مما علق بها، ومما أذيع عنها في الخارج ...

ولكن تقرير الديوان، لم ينتهِ إلى التحقيق مع المتهمين وإخراجهم من مناصبهم -على أقل تقدير- بل انتهى بخروج رئيس الديوان واضع التقرير، فقد طلب إليه -كما يذكر القراء- أن يحذف من تقريره ما جاء خاصًّا بصفقات الجيش، فأبت عليه كرامته ونزاهته، وفضل أن يستقيل!

وهنا تبينت أن الذين يقفون وراء هذه الصفقات أقوى مما كنت أعتقد، وأقوى من أن ينتصر عليهم قلم؛ بل أقوى من الرأي العام..

ولم أؤيد يومها استقالة الأستاذ محمود، وكتبت أقول: إنه لو اكتفى كل موظف نزيه بالاستقالة، كلما هدد في نزاهته وكرامته، لما بقي لمصر من موظفيها إلا كل من ليس نزيهًا ولا كريمًا.. ثم ناشدت الأستاذ محمود محمد محمود ما دام لم يستطع أن يقاوم، وأن يحتمي في ضمانات منصبه حتى يظهر الحق، ناشدته أن يصدر بيانًا صريحًا بأسباب استقالته.. ولكنه لم يصدر هذا البيان، واكتفى فيما بعد بأن ينشر أنه لم يستقل لأسباب

<<  <   >  >>