للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيئًا، والنيابة العامة التي أقف أمامها هي جزء من السلطة التنفيذية -كما قررت محكمة النقض- وهي تخضع أحيانًا للتيارات السياسية والحكومية.. وجميع هذه التيارات تقف ضدي، وتهددني في حريتي ومستقبلي، فمن يضمن لي السلامة؟!

كان هذا هو شعوري في اليوم الأول الذي أدليت فيه بشهادتي؛ ولذلك كنت حريصًا على اختيار كل لفظ أنطق به، وعلى ألا أواجه اتهامًا إلا وتحت يدي مستند قاطع بصحته؛ بل حرصت وأنا أسلم هذه المستندات إلى النائب العام أوقع عليها بإمضائي، وأن أطلب من سعادته أن يوقع عليها بإمضائه؛ زيادة في الحرص، كما أني كنت أرفض أن أسجل في التحقيق أي حادثة سمعت تفاصيلها دون أن أحصل على مستنداتها، وقد أثار هذا الحرص سعادة النائب العام، "وشخط" فِيَّ مرة صائحًا:

- أنت عامل جريء، عامل نفسك وطني متطرف، وبيتحدى ناس كبار، ماتورينا جرأتك دي!

وأجبت في هدوء:

- إني جريء في حدود القانون!

ثم قلت له في صراحة:

- مَن يضمن لي ألا تجعل مني متهمًا وتقبض عليَّ؟

فأجاب:

- لا أحد.. وسأقبض عليك بمجرد أن أرى ذلك!

وكنت في أحوال كثيرة أرفض أن أجيب على بعض الأسئلة إلا بعد استشارة أصدقائي المحامين الذين يشاركونني سوء الظن، وكانوا عندما أعود إليهم ينصحونني ألا أجيب إلا في حدود ما بين يدي من مستندات، وهذا الحرص الذي أبديته جعل النائب العام يعاملني معاملة خشنة، فلم يسمح لي بشرب القهوة طوال مدة الإدلاء بشهادتي التي استمرت ثلاثة أيام، وكان يسمح لي بالتدخين بعد رجاء وإلحاح، وبعد أن أهدد بالتوقف عن الإدلاء بأقوالي..

وفي اليوم الأول كنت متعبًا، فقد غادرت القاهرة في قطار الصباح، ولم أكن قد نمت في الليلة السابقة لكثرة تفكيري في هذا التحقيق، ثم إني بدأت

<<  <   >  >>