أدلي بأقوالي في الساعة العاشرة صباحًا حتى الرابعة مساء دون أن أستريح، ودون أن أشرب قهوة، ودون أن أغفو أو أريح رأسي من التنبه اليقظ لكل سؤال وجواب، وبدأت أحس بدوار، وطلبت من سعادة النائب العام أن يريحني، وأن يؤجل التحقيق لليوم التالي؛ ولكنه رفض وقال بحدة:
- لن أتركك تغادر هذا المكتب حتى تتم أقوالك ولو اقتضى الأمر أن تبيت هنا.. وما أدراني؟.. ربما قتلت بعد أن تخرج من هنا، فكيف أتم التحقيق؟!..
قلت، وعلى فمي ابتسامة متعبة:
- التحقيق في مقتلي، أو في صفقات الجيش؟!
- إن مقتلك يحققه أي وكيل نيابة، أما أنا فيهمني تحقيق هذه الادعاءات!
وكان النائب العام يغالي وهو يتحدث عن قتلي، ولم يكن قطعًا يقصد أي نوع من الإيماء، ورغم ذلك فقد فلت لسعادته أنني قد هددت فعلًا بالقتل قبل أن يستدعيني إليه، وكان التهديد بواسطة التليفون، ولم أبلغ عنه النيابة؛ لأني سبق أن أبلغت النيابة عن تهديد وصلني منذ عامين، فكانت النتيجة أن عين أحد رجال البوليس السري لحراستي، وكان هذا الرجل يتبعني في كل مكان، حتى خيل إلي أنه يراقبني وأني مقبوض علي، لا "محروس"، فطلبت إعفاءه وإعفائي من خدماته المشكورة..
وكان أطول نقاش دار بيني وبين سعادة النائب العام، هو النقاش الخاص بالنبيل عباس حليم، وكيل شركة أوليكن في مصر، التي تولت توريد ١٦ مدفعًا ١٠٥ م. م من إسبانيا بمبلغ قدره خمسة ملايين من الدولارات تقريبًا..
وكنت قد تتبعت هذه الصفقة من أولها إلى آخرها؛ أي: منذ تقدمت الشركة بعطائها إلى أن وصلت بعض هذه المدافع إلى مصر، وحصلت على أسماء جميع المتصلين بها، وأسماء جميع الضباط الذين علموا شيئًا عنها، وأسماء أعضاء اللجان التي اختبرتها؛ بل حصلت على تاريخ حياة كل مدفع والمكان