للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلا مستندات، والقانون يحتم على الكاتب أن يجمع مستنداته قبل أن يكتب..

ثم إني أبعدت نفسي عن قضية الجيش منذ أن تولت تحقيقها النيابة؛ لأني كنت أحد طرفي الاتهام بحكم البلاغ المقدَّم من حيدر باشا ووزير الحربية، فخشيت أن أحرج المحققين باتصالي بهم، كما أنهم خشوا على أنفسهم الحرج، فلم يحاول واحد منهم أن يتصل بي؛ بل إنهم فضلوا ألا يدرجوا اسمي في قائمة الشهود حتى لا يثير وجودي في قاعة المحكمة ثائرة المتهمين، كما قال النائب العام مرة..

ولذلك، وقفت من القضية -مع بقية المتفرجين- أرقب وأستمع وأتتبع، وأحاول أن أفهم، وإذا كان أحد لا يستطيع أن يدعي أن بين يديه من المستندات ما يمكنه من رواية تفاصيل المؤامرة كاملة، فإن كل إنسان يستطيع أن يفهم أنه كانت هناك مؤامرة، دون أن يكون في حاجة إلى ذكاء كبير يعينه على الفهم!

إنسان واحد في مصر يستطيع أن يتكلم، وأن يفيض في الكلام، وأن يتحمل مسئولية كلامه، وهو محمد عزمي بك النائب العام السابق..

ولكن عزمي بك له ثمانية أولاد أكبرهم في الثامنة عشرة من عمره، وهو يريد أن يعيش لهم، ويخشى إن تكلم ألا يعيش! ويريد أن يعيش بينهم، ويخشى إن تكلم أن يفارقهم إلى السجن! ويريد أن ينفق عليهم حتى يصيروا رجالًا، ويخشى إن تكلم أن يعجز عن الإنفاق، وليس له من مورد إلا معاشه الحكومي..

ثم إنه يشعر أنه أصبح وحيدًا مكشوف الظهر، فالحكومة لن تتوانى عن أن تبيعه وهو في المعاش كما باعته وهو في منصبه، والرأي العام قد يهتف له؛ ولكنه أعجز من أن يحميه أو يعوض أولاده فيه، ثم إنه قد تعمق في دراسة القانون حتى آمن بأن القانون خدعة كبرى، وتعمق في دراسة أصحاب النفوذ، حتى عرف أن لكل منهم وجهين ولكل منهم لسانين، وليس لأحد منهم ضمير ولا قلب!

<<  <   >  >>