١- ألا يكون الحديث قد بلغه في تلك المسألة، ومن لم يبلغه الحديث لا يكلف العمل به، وهذا هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفا لبعض الأحاديث. والإحاطة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحد من الأئمة كائنا من كان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يحدث أو يفتي أو يقضي أو يفعل الشيء فيسمعه أو يراه من يكون حاضرا، ثم يبلغه أولئك الحاضرون أو بعضهم لمن يبلغونه، فينتهي علم ذلك إلى من شاء الله من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فلم تكن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيط بها صحابي واحد، أو تابعي واحد، أو إمام من الأئمة. ومن ادعى ذلك فقد أحال، وإنما يتفاضل العلماء من الصحابة ومن بعدهم بكثرة العلم أو جودته، واعتبر ذلك بالخلفاء الراشدين، الذين كانوا أعلم الأمة بأمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأحواله. فهذا أبو بكر رضي الله عنه لما سئل عن ميراث الجدة قال:"ما لك في كتاب الله من شيء؛ ولكن أسأل الناس"، فسألهم فقام المغيرة بن شعبة، ومحمد بن مسلمة، فشهدا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن يعلم سنة الاستئذان، حتى أخبره بها أبو موسى رضي الله عنه، ولم يكن يعلم أن المرأة ترث من دية زوجها، حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان -أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعض البوادي- يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها"، ولم يكن يعلم حكم المجوس في الجزية، حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"سنوا بهم سنة أهل الكتاب"، ولما قدم "سرغ"، وبلغه أن الطاغوت بالشام، استشار المهاجرين الأولين الذين معه، ثم الأنصار، ثم مسلمة الفتح، فأشار