لا يمكن أحدا من أهل العلم ولا من الأئمة ولا من أتباعهم طرده، ولو طردوه لبطل كثير من أقوالهم وفتاويهم. فإن قيل: فهذا هو الحديث الشاذ، وأقل أحواله أن يتوقف فيه، ولا يجزم بصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: ليس هذا هو الشاذ، وإنما الشذوذ أن يخالف الراوي الثقات فيما رووه فيشذ عنهم بروايته، فأما إذا روى الثقة حديثا منفردا به، لم يروِ الثقات خلافه؛ فإن ذلك لا يسمى شاذا، وإن اصطلح على تسميته شاذا بهذا المعنى، لم يكن هذا الاصطلاح موجبا لرده ولا مسوغا له. قال الشافعي رحمه الله: وليس الشاذ أن ينفرد الثقة برواية الحديث، بل الشاذ أن يروي خلاف ما رواه الثقات، قال: في مناظرته بعض من رد الحديث بتفرد الراوي فيه". اهـ.
وقد جود الكلام على قبول خبر الواحد الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في رسالته المشهورة في باب على حدة، فارجع إليه إن شئت، وسيأتيك طرف منه إن شاء الله تعالى.
٤- عذر الأئمة في ترك العمل ببعض الأحاديث، وأنه لا يعد طعنا منهم في السنة:
قد يقول قائل: قررت أن السنة بنوعيها -المتواتر منها والآحاد- يجب اتباعها ولا تجوز مخالفتها، ولكننا نرى كثيرا من الأئمة المجتهدين يعمل في بعض المسائل على خلاف ما جاءت به الأحاديث.
والجواب: أنه ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة، يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته، دقيق أو جليل؛ فإنهم مجمعون على وجوب اتباعه صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به، ولكن إذا وجد لواحد منهم قول قد جاء حديث صحيح بخلافه، فلا بد له من عذر في تركه، والأعذار في هذا الباب كثيرة جدا، وإليك أمثلة من هذه الأعذار: