النبي صلى الله عليه وسلم العمل بذلك، واستمر على ذلك الخلفاء الراشدون فمن بعدهم. ولم يزل الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة فمن بعدهم من السلف والخلف على امتثال خبر الواحد إذا أخبرهم بسنة وعلى قضائهم به ورجوعهم إليه في القضاء والفتيا، ونقضهم به ما حكموا على خلافه، وطلبهم خبر عند عدم الحجة ممن هو عنده، واحتجاجهم به على من خالفهم، وانقياد المخالف لذلك، وهذا كله معروف لا شك فيه، والعقل لا يحيل العمل بخبر الواحد، وقد جاء الشرع بوجوب العمل به فوجب المصير إليه.
واحتج بعض العلماء لقبول خبر الواحد، بأن كل صحابي أو تابعي سئل عن نازلة في الدين، فأخبر السائل بما عنده فيها لم يشترط على السائل ألا يعمل بما أخبره به من ذلك، حتى يسأل غيره فضلا عن أن يسأل الكافة، بل كان كل منهم يخبره بما عنده، فيعمل بمقتضاه ولا ينكر عليه ذلك، فدل على اتفاقهم على وجوب العمل بخبر الواحد. وإذا وقع من بعضهم التردد في العمل به في بعض الأحوال، فذلك لأسباب خارجة عن كونه خبر واحد من ريبة في الصحة، أو تهمة للراوي، أو وجود معارض راجح، أو نحو ذلك.
قال ابن القيم في إغاثة اللهفان ما ملخصه: "ولا ترد أحاديث الصحابة وأحاديث الأئمة الثقات بتفرد الراوي، فكم من حديث تفرد به واحد من الصحابة، وقبله الأئمة كلهم فلم يرده أحد منهم، وكم من حديث تفرد به واحد من التابعين، ولم يرده أحد من الأئمة، ولا نعلم أحدا من أهل العلم قديما ولا حديثا، قال: إن الحديث إذا لم يروه إلا صحابي واحد لم يقبل، وإنما يحكى عن أهل البدع -ومن تبعهم في ذلك- أقوال لا يعرف لها قائل من الفقهاء، وقد تفرد الزهري بنحو ستين سُنة لم يروها غيره، وعملت بها الأئمة ولم يردوها لتفرده، ثم إن هذا القول