[المبحث الثاني: منهج العلماء رواية السنة في هذا الدور]
...
المبحث الثاني: منهج العلماء في رواية السنة في هذا الدور
حيال هذه الأحداث التاريخية الخطيرة تبللت الأفكار. وتقاعدت همم العلماء عن الرحلة إلى الأقطار، فانقرضت الرواية الشفاهية. وحل محلها الإجازة والمكاتبة وصار الإسناد في الحديث، يقصد للتبرك اللهم إلا في أفراد تبعث بهم الأقدار الإلهية من وقت لآخر، يجددون ما خلق، ويحيون ما اندثر، وقد اشتهر من هؤلاء الأعلام طائفة، كانوا يرحلون إلى الأقطار، ويجلسون للإملاء١، ويكتب عنهم أتباعهم الأمالي، ومن أمثال هؤلاء الحافظ، الكبير أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي، الأثري الإمام حافظ العصر وصاحب المصنفات البديعة في الحديث، المتوفى سنة "٨٠٦"، ومجالسه للإملاء تزيد على أربعمائة مجلس.
قال تلميذه ابن حجر:"شرع في إملاء الحديث من سنة "٧٩٦"، فأحيا الله به السنة بعد أن كانت داثرة، فأملى أكثر من أربعمائة مجلس، غالبها من حظفه متقنة مهذبة محررة، كثيرة الفوائد الحديثية". ا. هـ.
ومنهم شهاب الدين، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن حجر العسقلاني الأصل،
ثم المصري المولد، والمنشأ والدار والوفاة الحافظ، بل سيد الحفاظ والمحدثين في تلك الأمصار، وما جاورها المتوفى سنة "٨٥٢هـ". قال السيوطي:"وختم به الفن". وقال غيره: "انتهت إليه الرحلة والرياسة في الحديث في الدنيا بأجمعها، فلم
١ الإملاء من وظائف العلماء قديما، لا سيما الحفاظ من أهل الحديث، يجلس المحدث ويسمى "المملي" في المسجد يوما من أيام الأسبوع، والمستحب أن يكون يوم الجمعة، ويكتب عنه التلاميذ، ويتخذ لذلك في العادة منهم رجلا يبلغ عنه يسمى "المستملي".