[المبحث الثالث: النزاع حول حجية السنة في القرن الثاني]
رأيت كيف عمل الوضاعون على إفساد الحديث النبوي، كما رأيت جهود الأئمة في مناهضتهم، وتزييف ما قذفوا به من أباطيلهم وأكاذيبهم.
والآن نحدثك عن خصوم آخرين للسنة، ظهروا في هذا العصر أيضا بمبدأ خبيث وأقاموها حربا شعواء على الحديث وأئمة الحديث. كان هؤلاء القوم طوائف مختلفة، فطائفة رفضوا السنة جملة وتفصيلا، وأنكروا أن تكون أصلا من أصول التشريع الإسلامي، زاعمين أن في القرآن غنية لهم عن كل ما سواه، وأنه يتعذر الاطمئنان إلى الأحاديث من جهة أنه يجوز على رواتها الخطأ، والنسيان، والكذب، وطائفة أخرى قالوا: لا نقبل من الحديث، إلا ما كان بيانا لما نطق به الكتاب العزيز، وطائفة ثالثة قالوا: لا نقبل من السنة أخبار الخاصة التي ترعف عند المحدثين "بأخبار الآحاد" مهما كان رواتها من العدالة والضبط، ولا نعتمد إلا ما تواتر نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم. تلك هي الطوائف، التي لم تقم للسنة وزنا، ولم ترفع لها رأسا في هذا العصر، وهي لا تقل خطرا عن الطوائف الأخرى، التي حاول تزييف السنة عن طريق الكذب عليه صلى الله عليه وسلم.
وقد تصدى للرد على هذه الفرق المبطلة، كثير من أئمة المسلمين وفي مقدمتهم الإمام الجليل، محمد بن إدريس الشافعي، الذي وهبه الله تعالى بيانا ناصعا، وحجة دامغة، ومقدرة علمية فائقة. وقد جاء في كتابه المعروف "بالأم" رواية الربيع بن سليمان المرادي عنه حوار بينه، وبين بعض المنسوبين إلى هذه الفرق، كما جاء في رسالته المشهورة دفاع مجيد عن السنة وحجيتها. ونحن نذكر لك طرفا من أقواله، لتكون على بينة مما قام به العلماء في القضاء على هذه الطوائف الزائغة.
مناظرة الإمام الشافعي لمن يرد الأحاديث كلها:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: قال لي قائل: ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه. أنت عربي والقرآن نزل بلسان من أنت منهم. وأنت أدرى بحفظه. وفيه لله فرائض أنزلها. لو شك شاك قد تلبس عليه القرآن.