[المبحث الرابع: تراجم لبعض مشاهير المحدثين في القرن الثاني]
مالك بن أنس:
هو، الإمام الجليل مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر. ينتهي نسبه إلى ذي أصبح -قبيلة باليمن- قدم أحد أجداده إلى المدينة، وسكنها وجده أبو عامر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد معه المغازي كلها ما خلا بدرا. ولد مالك بالمدينة سنة ثلاث وتسعين، وأخذ العلم عن علماء المدينة، وأول من لازمه منهم عبد الرحمن بن هرمز، الذي أقام معه مدة طويلة من الزمان لم يشركه بغيره، وسمع نافعا مولى ابن عمر، ومحمد بن المنكدر، وأبا الزبير، والزهري، وكثيرا من التابعين، وتابعيهم بلغ عددهم على ما يقال تسعمائة شيخ. من التابعين ثلثمائة، ومن تابعيهم ستمائة، وكلهم ممن اختاره مالك، وارتضى دينه وفقههه، وقيامه بحق الرواية، وشروطها، وخلصت الثقة به. كما ترك الرواية عن أهل دين وصلاح لا يعرفون الرواية، وأخذ عنه الحديث يحيى الأنصاري، والزهري، وهما من شيوخه، وينازع ابن عبد البر في رواية الزهري عن مالك. كذلك أخذ عنه ابن جريج، ويزيد بن عبد الله بن الهادي، والأوزاعي، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، والليث، وابن المبارك والشافعي وابن علية وابن وهب، وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة، وابن مهدي ومعن بن عيسى وخلائق لا يحصون غيرهم. أجمع العلماء على إمامته، وجلالته في الحديث ونقد الرواة، واستخراج الأحكام من الكتاب والسنة، وشهد له بذلك أقرانه وعلماء عصره. فذا حبيب الوراق يقول: دخلت على مالك فسألته عن ثلاثة رجال لم لم يرو عنهم، قال: فأطرق ثم رفع رأسه، وقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله -وكان كثيرًا ما يقولها- فقال: يا حبيب أدركت هذا المسجد، وفيه سبعون شيخا ممن أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن التابعين، ولم نحمل الحديث إلا عن أهله.
وكان مالك يقول: ربما جلس إلينا الشيخ، فيحدث نهاره ما نأخذ عنه حديثا واحدا ما بنا أن نتهمه، ولكن لم يكن من أهل الحديث.
كان مالك ثبتا في الحديث عالما بالرجال، موثوقا به في كل ذلك حتى