للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبي حنيفة، والشافعي فإن لهم أصحابا يحملون عنهم أحاديثهم، يؤمن عليها من الضياع. هذا وربما كان عزوف الشيخين عن التخريج لأمثالهما هو اشتغالهم بفقه الأحاديث، واستنباط الأحكام منها لا بجمع طرقها، والانقطاع لحفظها وأدائها إنما كانوا يروون تلك الأحاديث على تلاميذهم خاصة في أثناء مجالسهم الفقهية، وأيضا قد يكون عدم تخريجهما لإمام من الأئمة؛ لأنه يقع الحديث بروايته نازلا، وبرواية غيره عاليا، فيقدمان العالي على النازل لما فيه من القرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك كله يتبين أن أبا حنيفة رحمه الله لم يكن قليل البضاعة في الحديث، ولم يكن يقدم رأيه عليه وأنه من كبار الحفاظ، الذين لهم خبرة واسعة بالحديث رواية، ودراية، وأن الطعن عليه بمثل ما تقدم لا يصدر إلا عن حاسد، أو جاهل، فلا ينبغي أن يغتر بما ذكره ابن خلدون في مقدمته من أن أبا حنيفة لتشدده في شروط الصحة، لم يصح عنده سوى سبعة عشر حديثا، ولا بالروايات الزائفة، التي ذكرها الخطيب البغدادي في كتابه -تاريخ بغداد- وفيها نسبة أبي حنيفة إلى ما هو بريء منه. وقد تصدى لتفنيد هذه الروايات الإمام الفقيه، المحدث الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري في كتاب خاص أسماه "تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب"، أجاد فيه، وأفاد فجزاه الله عن أمة الإسلام خيرًا.

<<  <   >  >>