حدثناك أيها القارئ عن جهود علماء الإسلام في القرن الأول والثاني تجاه الوضاعين، وأنهم أخذوا عليهم كل مسلك، وقعدوا لهم كل مرصد ميزوا بين الدخيل، والأصيل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزنوا الرواة بميزان الجرح والتعديل، وفحصوا عن مروياتهم وأسانيدهم، وعلى الرغم من هذه الجهود العظيمة فإنه ماكاد يطل هذا القرن الثالث حتى كثر الوضع في الحديث بشكل مزعج فهؤلاء الزنادقة يبثون سمومهم لإفساد عقائد المسلمين، وهؤلاء الشعوبيون يضعون الحديث في فضل الفرس، وتفضيلهم على العرب، ومن ورائهم القصاص يستولون على قلوب العامة بالمناكير.
ونحن نذكر لك شيئا من أعمال هذه الطوائف، لتلمس الخطر الذي أحدق بالسنة، وكاد يذهب بنورها وليكبر في عينك ما قام به علماء الحديث من مطاردة الكذابين، والقضاء على أباطيل الأفاكين بما صنفوه من الكتب الحافلة بالحديث، وعلومه في هذا العصر فنقول:
١- التعصب للجنس وأثره في وضع الحديث:
قامت الدولة العباسية على أكتاف الفرس من أهل خراسان، وكانت هذه البلاد موطن التشيع لآل البيت، ولما كان الفرس يفهمون أن الملك ينال بالوراثة تأثروا إلى حد كبير بآراء الشيعة، فعدوا بني أمية غاصبين لحقوق آل البيت ينغي قتالهم، وتخليص الحق إلى صاحبه الشرعي.
وكانت الفرس أمة ذات حضارة، وتأريخ عظيمين، وكانت لهم السيطرة على كثير من الأمم العربية كالعراق، واليمن فلما دالت دولتهم، ووقعوا في قبضة العرب وأصبحوا موالي لهم يتحكمون فيهم، حنوا بعد ذلك إلى عظمتهم الأولى، ولما قام بنو العباس يطالبون بالخلافة، وجدوا من الفرس قلوا مستعدة لا سيما عند الخاصة منهم، فقد كانوا يأملون الحصول على شيء من السلطان الضائع. لذلك رأينا أبا مسلم الخراساني وأضرابه، يتفانون في نصرة بني العباس ويحاربون بني أمية بكل سلاح، وفي