[المبحث الثاني: شيوع الوضع في الحديث في هذا العصر]
بالرغم من تعاون الكتابة، والحفظ على جمع الحديث وضبطه في هذا الدور فإنه قد انبث جراثيم الشر، وعوامل الفتنة من الذين أخذوا يضعون الأحاديث، ويلقون على الناس الأساطير، وينشرون فيهم الخرافات والأكاذيب.
وجد في هذا الوقت طوائف كثيرة تعمل على إفساد الحديث، وتجتهد في تزييفه، وأشهر هذه الطوائف هم الدعاة السياسيون، والقصاص، والزنادقة ونحن نذكر لك شيئا من أعمال كل طائفة من هذه الطوائف الثلاثة لترى مقدار خطرهم على الحديث، كما ترى أن مهمة أهل الحديث في ذلك العصر كانت من الصعوبة بمكان.
أولا: الدعاة السياسيون:
قامت الدولة العباسية على أنقاض دولة بني أمية، فكان هذا العصر عصر انتقال سياسي خطير، انتقلت فيه الخلافة من بيت إلى بيت. وبالضرورة لم يكن هذا الانتقال طفرة. بل تقدمه دعوة سرية مكثت شطرا من الزمان لم يكن هذا الانتقال طفرة. بل تقدمه دعوة سرية مكثت شطرا من الزمان، تظهر حينا وسرعان ما تخبو حتى لمحها بعض الأدباء الأمويين، فقال يحذر قومه:
أرى خلل الرماد وميض نار ... ويوشك أن يكون له ضرام
لئن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام
بدأت هذه الدعوة السرية من أول القرن الثاني، واتخذ لها من النقباء اثنا عشر رجلا من ورائهم سبعون آخرون، يأتمرون بأمرهم ويبثون الدعوة بين الناس مختفين في زي تجار حينا، وحينا في زي حجاج. مكثوا على هذا أعواما كثيرة وما أن جاء عام سبع وعشرين ومائة، حتى كمن خلف السار داهية السواس أبو مسلم الخراساني، الذي لعب دورا هاما في قلب الدولة الأموية، وإقامة الدولة العباسية. تزعم أبو مسلم الحركة الانقلابية في بلاد خراسان، فوجد نفوسا طيعة وقلوبا مستعدة لقبول الدعوة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بني العباس واستخدم لذلك الدعاة في طول البلاد وعرضها١.
اتخذ هؤلاء الدعاة فيما اتخذوا الأحاديث النبوية مطية لأغراضهم.
١ تاريخ الأمم الإسلامية للخضري ص٢٠ في الكلام على الدولة العباسية.