التمسك بالسنة بدليل أنه كان يحتج بمراسيل الثقات، التي اشتهرت بين العلماء.
أما تشدده رحمه الله في شروط قبول الأحاديث، التي تروى آحادا، فكان مبعثه الاحتياط البالغ لدين الله، وذلك أن الوضع في عصره قد كثر كثرة مزعجة من الزنادقة، والمبتدعة فاضطره ذلك إلى تشدده في شرط الصحيح، ولهذا قال العلماء:"أن أبا حنيفة لم يخالف الأحاديث عنادا، بل خالفها اجتهادا لحجج واضحة، ودلائل صالحة وله بتقدير الخطأ أجر، وبتقدير الإصابة أجران والطاعنون عليه أما حساد، أو جهال بمواقع الاجتهاد".
وما من إمام من الأئمة إلا رد كثير من الأحاديث، لعدم استيفائها شروط الصحة عنده، أو لظهور نسخها أو لقيام معارض لها، أو لغير ذلك من الأعذار المقبولة. وهذا مالك أمام دار الهجرة، وأمير المؤمنين في الحديث يخالف السنة في سبعين مسألة إلى رأيه لعدم استيفائها شروط العمل عنده١.
٣- وأما عدم تخريج الشيخين له في صحيحيهما، فلا يدل على ضعفه في الحديث، فإنها لم يستوعبا الأحاديث الصحيحة، ولا الأئمة الموثوق بهم، وإلا لزم تجريح كثير من الصحابة، وكثير من أئمة الهدى كالشافعي، ولا يقول بذلك أحد من المسلمين. ولعل السر في عدم تخريجهما لأمثال أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما، أنهما عنيا بجمع الحديث الصحيح، عمن لو ترك عندهم لمات بموته، لعدم وجود أتباع لهم أو لقلتهم أما أمثال
١ انظر جامع بيان العلم لابن عبد البر جـ٢ ص١٤٨، شروط الأئمة الخمسة ص٤٩-٥٠، مقدمة ابن خلدون عند الكلام على علوم الحديث، ومقدمة القسطلاني على البخاري ص٣٣.