أخذ الحديث عنه شيوخه وأقرانه، ولما كانت المدينة هي منبع الحديث، ومهبط الوحي لم يرحل مالك عنها، لذا تجد معظم روايته عن أهل الحجاز، وقلما تجد في موطئه ذكرا لغيرهم، ورحل إليه الناس من الأقطار البعيدة يتلقون عنه الحديث والمسائل، لما سمعوا عن علمه ونباهة شأنه في علوم الحديث، والفقه وكانوا يزدحمون على بابه، ويقتتلون عليه من الزحام لطلب العلم.
امتحن مالك سنة ١٤٧ وضرب بالسياط، واختلف الناس في سبب ذلك فقيل: أنه أفتى بعدم وقوع طلاق المكره، وقد كانوا يكرهون الناس على الحلف بالطلاق عند البيعة، فرأوا أن فتوى مالك تجعل الناس في حل من نقض البيعة، وقيل: إن ابن القاسم سأل مالكا عن البغاة يجوز قتالهم. فقال: إن خرجوا على مثل عمر بن عبد العزيز. قال: فإن لم يكن مثه. فقال: دعهم ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما. فكانت هذه الفتوى سبب محنته، فضربه عامل المنصور بالمدينة سبعين سوطا، ولما بلغ ذلك المنصور غضب على عامله وعزله، ثم لقي المنصور مالكا من قابل في موسم الحج، فاعتذر إليه، وفاتحه في كثير من مسائل الدين، وطلب إليه أن يجمع ما ثبت لديه من الأحاديث، والآثار ويدونها في كتاب يوطئه للناس، فاعتذر الإمام عن ذلك فلم يقبل المنصور عذره، فألف كتاب الموطأ، ولما جاء المهدي حاجا بعد ذلك سمعه منه، ولم يزل مالك رحمه الله محل احترام الخلفاء، وإجلالهم وتقدير العلماء وتعظيمهم، وقد سمع منه الرشيد وأولاده االموطأ في موسم الحج. وقال له الرشيد:
أردت أن أعلق كتابك هذا في الكعبة، وأفرقه في الأمصار، وأحمل الناس عليه. فقال له مالك: لا تفعل، فإن الصحابة تفرقوا في الآفاق، ورووا أحاديث غير أحاديث أهل الحجاز، وأخذ الناس بها، فاتركهم وما هم عليه