الإسلامية ما عدا البلاد المغربية، فكانت الحكومة فيها لبرابرة المغرب، وفي مستهل القرن الثامن ظهر بآسيا الصغرى، بلاد تركيا اليوم -رجل يدعى "عثمان كجق" -مؤسس الدولة العثمانية- على رأس قبيلته التركية، فأسس ملكا على أنقاض الدولة السلجوقية، ولم تزل دولة آل عثمان تتسع رقعتها، وتستولي على ما جاورها من الممالك، والدويلات حتى فتحوا القسطنطينية في منتصف القرن التاسع الهجري، واتخذوها عاصمة لهم، ثم فتحوا مصر وأزالوا الخلافة العباسية، ولقبوا ملوكهم بالخلفاء، ومن هذا الوقت انتقلت الخلافة الإسلامية إلى القسطنطينية، وأصبحت مصر ولاية عثمانية، فضاع مركزها السياسي والعلمي، أما دولة بني عثمان فقوي شأنها وعظم ملكها، ومما يؤسف له أنها وهي في أوج عظمتها سقطت دولة الأندلس، وانطفأ نور الإسلام في هذه البلاد بعد أن مكث بها نحوا من ثمانية قرون.
ثم أخذت دول أوربة الغاشمة، تعمل جهدها على إضعاف المسلمين، منتهزة غفلتهم واختلافهم، فأوقعت بينهم الفتنة حتى مزقت شمل الدولة الإسلامية، وقضت على الخلافة العثمانية، وعبثوا بحقوق المسلمين وحجروا عليهم في بلادهم، واستعبدوهم أيما استعباد، حتى أصبحنا من هذا الوقت، لا يستطيع المصري الرحلة إلى الحجاز، أو إلى الشام أو غيرهما من بلاد الإسلام، إلا بجواز بذلك، وقل مثل هذا في أهل الأقطار الإسلامية جميعها.
ومن هنا انعدمت الرحلة بين العلماء، وانقطع الاتصال العلمي بين سكان البلدان المختلفة، بعد أن كان الوطن الإسلامي وحدة لا تنفصم عراها، ينتقل فيه المسلم أنى شاء، وينشر دينه كيفما أراد، فعسى الله أن يكف بأس الذين كفروا، والله أشد بأسا، وأشد تنكيلا.