للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك بدا لنا من الضروري أن نتناول الموضوع من جديد، وأن نعالجه تبعًا لمنهج أكثر سلامة، من أجل تصحيح هذه الأخطاء، وملء هذه الفجوة في المكتبة الأوروبية١، وحتى نُرِيَ علماء الغرب الوجه الحقيقي للأخلاق القرآنية، وذلكم في الواقع هو هدفنا الأساسي من عملنا هذا.

بيد أننا بالرجوع إلى مكتبتنا الإسلامية نفسها، لاحظنا أنها لم تعرف حتى الآن سوى نوعين من التعاليم الأخلاقية: فهي إما نصالح عملية، هدفها تقويم أخلاق الشباب، حين توحي إليهم الاقتناع بالقيمة العليا للفضيلة٢، وإما وصف لطبيعة النفس وملكاتها، ثم تعريف للفضيلة وتقسيم لها، مرتب في غالب الأمر بحسب النموذج الأفلاطوني، أو الأرسطي٣، وكثيرًا ما نرى المنهجين يتعاقبان في قلم كاتب واحد٤، وإذن فلم يكن هنالك سوى كتب إنسانية محضة، أجهد مؤلفوها أنفسهم، فاستودعوها ثمرات تأملاتهم، ودراساتهم الفلسفية، ولم يظهر فيها النص القرآني كلية، أو هو لا يكاد يظهر إلا بصفة ثانوية.

فلم تكن الأخلاق القرآنية إذن الموضوع الرئيسي للدراسة، والتقنين، لدى المسلمين أو المستشرقين، لا من الناحية النظرية، ولا من الناحية العملية.


١ سوف يتبين بعد ذلك أن الكتاب قد ملأ هذه الفجوة في المكتبة العربية أيضًا، حين وفق الله إلى تعريبه، على نحو ما يلمس القارئ، "المعرب".
٢ نذكر من خير الكتب التي من هذا النوع رسالة ابن حزم "مداواة النفوس" طبعة أدهم بالقاهرة.
٣ خير كتاب تبع هذا النظام، وأشهره هو كتاب ابن مسكويه: "تهذيب الأخلاق" -المؤلف-, وقد نشرته الجامعة الأمريكية ببيروت عام ١٩٦٦، بتحقيق الأستاذ قسطنطين زريق. "المعرب".
٤ يظهر هذا لدى الأصفهاني في "الذريعة"، وبصورة أكثر كمالًا وامتدادًا لدى الغزالي في كثير من كتبه، وبخاصة موسوعته الإسلامية: "إحياء علوم الدين".

<<  <   >  >>