للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحسب أن من الواجب أن نضيف بعض التحديد إلى هذا التأكيد المزدوج؛ ليصبح أكثر دقة، ويخلص من كل لبس أو غموض.

ولسنا ندعي ابتداء، أن بحوثنا في المجال النظري تخوض في أرض لم يرتدها أحد قبلنا، فإن العلماء المسلمين قد أعملوا قرائحهم منذ عهد مبكر في هذا الموضوع: علماء الكلام، وعلماء الأصول، فكروا جميعًا في مقياس الخير والشر، "أو بحسب تعبيرهم: مسألة الحسن والقبح"، وفكر الفقهاء في شروط المسئولية، وفكر الأخلاقيون والصوفية في فاعلية الجهد، وإخلاص النية والقصد. ولكنّا إذا صرفنا النظر عن أن هذه الأفكار قد بقيت متناثرة في مختلف المذاهب التي تمس الأخلاقية من قريب أو من بعيد، والتي لم تعنَ دائمًا بوجهة النظر الأخلاقية بمفهومها الخاص -فإن النظرية الأخلاقية التي يقدمها هؤلاء تصدر في جانب كبير منها -على الأقل- عن روح المذهب الذي ينتمي إليه مؤلفوها، إن لم تكن من محض نظراتهم الشخصية؛ لأن القرآن لا يرد ذكره فيها إلا بصفة مكملة، شاهدًا أو برهانًا على فكرة أو أخرى سبق الأخذ بها.

وأما في المجال العملي فمن الحق أن الغزالي -كما نعلم- قد حاول في كتابه "جواهر القرآن" أن يحلل جوهر القرآن، وأن يرده إلى عنصرين أساسين، يتصل أحدهما بالمعرفة، ويتصل الآخر بالسلوك. وانتهى إلى أن حصر في القرآن من النوع الأول سبعمائة وثلاثًا وستين آية؛ كما حصر من النوع الثاني سبعمائة وإحدى وأربعين آية١.


١ فمجموع هذه الآيات يربي على ألف وخمسمائة آية، تمثل أقل من ربع القرآن بقليل، وما عدا ذلك لا يعالج في رأيه سوى مسائل تكميلية، وشأنها -على ما قال- شأن الصدفة التي تغطي المادة الثمينة في الكتاب، وقد دخل هذا العمل القديم مع بعض تعديلات يسيرة إلى اللغة الفرنسية، على يد كاتب تركي، هو الجنرال محمود مختار كتير جوغلو، في كتاب بعنوان: "الحكمة القرآنية -آيات مختارة- la sagesse koranique. versets choisies" "باريس geuthmer ١٩٣٥". وقد نشر المؤلف على هذه الصورة كتاب الغزالي مختصرًا "ألفًا ومائتي آية، بدلًا من ألف وخمسمائة آية"، بعد أن خلط خلطًا تامًّا كلا عنصريه بالآخر، حتى إنه ألغى عناوين السور، وقد كانت من قبل متميزة.

<<  <   >  >>