للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولنعترف بأن هناك رباطًا طبيعيًّا بين هذين الحكمين، ولكن هذا لا يمنع من أن نحدث هنا تفرقة هامة: فإن حكمنا التقديري نفسه هو واقع ملحوظ، حدث نفساني ينبع من التجربة بما أنه يقع تحت ملاحظتنا الباطنة، ولكن ما ينصب عليه هذا الحكم هو "قيمة" تستعصي بموجب تحديدها على كل تجربة، وتتجاوزها لانهائيًّا.

فالتجربة لا تفعل -إن صح هذا التعبير- أكثر من امتياح بئر "القيمة" نقطة بعد نقطة، مع هذا الشعور الغريب بملامحها الخاصة، وبأنها معين لا ينضب.

والقيمة ذات طابع مطلق، فهي ليست مسجلة في الزمان، مع أن عنصر الزمان يمكن أن يوحي بها، فلا يصح إذن أن نلجأ في حل لغزها إلى ما هو وقتي.

ولسوف يتضاءل دور التجربة أيضًا فيما يختص بالمستقبل، الذي هو المجال الوحيد للعمل الأخلاقي, "فهذا العمل ليس من باب ما هو كائن، بل من باب ما ينبغي أن يكون، ومن المستحيل -من ناحية أخرى- أن نقرر عمل بعض الأشياء في الماضي، أو في نفس اللحظة التي يتم فيها اتخاذ القرار".

فمما لا حاجة إلى ذكره ابتداء: أن التجربة بمعناها الصرف ليست هي التي تبيح لي أن أستخلص أن الأشياء إذا ما كانت قد حدثت حتى الآن بطريقة أو بأخرى -سوف تحدث غدًا، ودائمًا بنفس الطريقة.

فهذا الاستقراء يجد أساسه المنطقي في اعتقادنا بثبات الطبيعة، والأمر كذلك بالنسبة إلى قانون الأعداد الكبيرة، الذي يجب أن يفترض عدم تدخل الأسباب الجديدة، القادرة على خلخلة المعدل المتوسط لحسابنا.

وأخيرًا، فما الذي أحصل عليه من كل رصيدي التجريبي، وما يواكبه

<<  <   >  >>