للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من مسلمات؟ إنني أعلم الإمكان "أو الاستحالة العملية" لتحقيق مشروع معين، أو درجة احتمال ناجحة، ولكن من ذا الذي يخبرني: إن كان ما أشرع فيه خيرًا جديرًا بأن أسعى إليه؟

وإذا كانت أمامي ممكنات كثيرة فما الذي يجعلني أقرر تنفيذ أحدها، وربما كان أقلها صلاحية بطبيعته؟

إن من الواضح أن ما نؤثر به بعض الاتجاهات من تفضيل في نشاطنا، واستبعاد لبعضها -ينبع من مثل أعلى، لا من واقع.

وعليه، فإذا لم يكن هذا المثل الأعلى سوى ظهور لذاتنا التجريبية المتقلبة، وإذا لم يكن سوى عطاء لشعورنا الحقيقي أو الافتراضي، فإنه يصبح -هو أيضًا- عطاء عابرًا، وظاهرة مؤقتة. فبأي حق يزعم إذن أنه يحكم عملًا مستقلًّا، على حين أنه قد يكون موجودًا في اللحظة التي سيبدأ فيها العمل؟

وإنما هي إحدى اثنتين: إما أن إرادتنا تستطيع أن تكتفي بمثل أعلى يتلاءم مع العمل، أي: يولد ويموت معه، وتلك هي إرادة العجزة والمجانين.

وإما أن تمضي إرادتنا -على العكس- تلتمس في المثل الأعلى صفاته التي تفرضه عليها، سواء بالنسبة إلى المستقبل البعيد أو القريب، أعني: أنها تذهب لتطلب منه بعض الثبات، قبل أن تمنحه الحق في أن يحكمها.

بيد أننا حينئذ لن نكون في مجال الذات التجريبية، والتجربة المحضة إذ إن "المثل الأعلى الثابت" هو التعريف نفسه "للقانون الأخلاقي"، ولما لم يكن قانون معين ثمرة لتجربة مطلقًا، بل موضوعًا للبرهنة أو الإيمان، وكانت "التجربة" هي مرجع "الأخلاق" ... أليس هذا تناقضًا في المصطلحات؟!

<<  <   >  >>