للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن هذه المعرفة تكفي قطعًا لتأكيد مسئوليتنا نحو أنفسنا. ولم تنازع أكثر المدارس الإسلامية تشددًا في أن هنالك نوعًا من المسئولية الشاملة القائمة على هذا التكليف الفطري، فهل يكفي هذا أيضًا لإقرار مسئوليتنا عند الله؟ هنا تفترق المدارس. فعلى حين أن المعتزلة يرون ذلك ويقرونه بلا استثناء، وعلى حين أن الماتريدية يوافقون عليه جزئيًا "فيما يتعلق بالواجبات الأولية"، فإن أكثر مدارس أهل السنة ينكرونه مطلقًا.

ويقولون: إننا لسنا مسئولين أمام الله، حتى عن واجباتنا الأساسية إلا إذا أعلمنا بواجباتنا، هو نفسه، وبطريقة خاصة وإيجابية. وهؤلاء المفكرون يتمسكون بحرفية القرآن حيث يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} ١، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ٢، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} ٣.

ومن المفيد جدًّا أن نبحث عن الأسباب في أن القرآن يضع هذه الشروط المفيدة، فلماذا أوجب الله مطلقًا على نفسه أن يعلم الشعوب بواجباتها بوساطة الرسل، الوسطاء بينه وبينهم؟ ولماذا لم يتركهم لنورهم الفطري وحده؟ والجواب كما يبينه القرآن: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} ٤. والواقع أن أكثرية الناس ينتمون إلى إحدى فئتين: فإما أنهم رجال أعمال مشغولون بلقمة العيش، أو يكونون فارغين عاكفين على ملذاتهم. وعليه، أفلا يكون من النادر إلى أقصى حد أن تسنح لحظات يخطر لهؤلاء وهؤلاء فيها أن يرفعوا أبصارهم نحو السماء، أو أن يحولوها


١ التوبة: ١١٥.
٢ الإسراء: ١٥.
٣ القصص: ٥٩.
٤ النساء: ١٦٥.

<<  <   >  >>