للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نحو أنفسهم؟ كم رجلًا منّا يسائل نفسه عن خير الوسائل لتثقيف الروح، وتغذية القلب، بله أن يشرع لها؟؟ وهذه الآلاف المؤلفة من شواغل الحياة اليومية التي تصرفنا عن هذه الأمور العلوية أليست عذرًا بالنسبة لنا؟

إن هذه الحجة سوف تكون أكثر قبولًا إذا ما استشهدت بضعف سلطاننا الأخلاقي. وهل كانت العقائد الزائفة، والعادات السيئة الموروثة سوى طبقات سميكة تغلف، وتحجب بصائرنا؟ فمن أجل استباق هذا الاعتراض المزدوج أراد الله سبحانه أن يقوي أنوارنا الفطرية بأنوار الوحي المنزل: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} ١.

والحقيقة أن الله سبحانه أوجب على نفسه أن يعلم الناس قبل أن يحملهم مسئوليتهم؛ لأنه يرى من الظلم تعذيب القرى التي تغفل عن واجباتها؛ لأنها لم تعرفها: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} ٢، {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ، ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} ٣.

ولكن إذا كان الأمر كذلك، أعني إذا كان يكفي مجرد الغفلة الطارئة، سواء أكانت نقص انتباه، أو استعصاء عادات، لكي نعلن عدم مسئولية أناس أسوياء بصورة كاملة، وإذا كانت العدالة الإلهية قد التزمت بإيقاظهم أولًا من سباتهم بوساطة تعليم إيجابي، فما القول إذن في الضمائر التي ما زالت غائبة أو محجوبة كلية بحوادث طبيعية؟ ألا يجدر بالأحرى أن ننتظر انتباهها أو يقظتها العادية، كيما تكون بحيث تعلم الشريعة المقررة؟ إن هذا بداهة


١ الأعراف: ١٧٢-١٧٣.
٢ الأنعام: ١٣١.
٣ الشعراء: ٢٠٨-٢٠٩.

<<  <   >  >>