للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذن، فعلى حين تفترض المسئولية العقابية النية المضادة للقانون، تمامًا كالمسئولية الأخلاقية، نجد أن المسئولية المدنية، سوف تكتفي بمجرد وجود الإرادة. وهنا يكمن أحد الفروق الرئيسية بين هذه المجالات المختلفة، فإذا كان الضرر الناتج عن الخطأ، أو الغفلة، أو عدم الحذق -لا يحتم أن يعزر صاحبه، فإنه يخضعه في مقابل ذلك لتكليف مالي لمصلحة الضحية.

وقد وضع القرآن التشريع الأساسي للقتل الناشئ عن الخطأ، فقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطًَا وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطًَا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} ١. وقد مثلت السُّنة بهذا كل ضرر يرتكب عن غفلة، ضد نفس الغير، أو ماله. يقول ابن حزم: "ولا يختلف اثنان من الأمة في أن من رمى سهمًا يريد صيدًا، فأصاب إنسانًا، أو مالًا، فأتلفه، فإنه يضمن، ولو أنه صادف حمار وحشي يجري، فقتل إنسانًا، أو سقط الحمار إذ أصابه السهم، فقتل إنسانًا، فإنه لا يضمن شيئًا"٢.

ومن هنا كانت المسئولية المدنية على الطبيب، أو كما يعبر حديث لرسول الله, صلى الله عليه وسلم -مسئولية من يمارس الطب ولم يكن من قبل معروفًا أنه طبيب، فقال: "من تطبب، ولم يعلم منه قبل ذلك الطب فهو ضامن" ٣.

ومن هنا أيضًا -تبعًا لأغلب المذاهب- كانت مسئولية مالك الماشية الذي يهمل في حبس قطيعه أو حفظه، حين ينتج عن هذا الإهمال أن تهرب.


١ النساء: ٩٢.
٢ المحلى ١١/ ٣.
٣ البداية, لابن رشد ٢/ ٤٥٤ ط مكتبة الكليات الأزهرية ١٩٦٦, قال: وقد ورد في ذلك مع الإجماع حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ... وذكر الحديث.

<<  <   >  >>