للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان مستحيلًا أن نبطل الخطأ في ذاته، فمن الممكن على الأقل أن نمحو آثاره، بأداء أفعال ذات طبيعة مناقضة، وها هو القرآن يعلمنا أن: {الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} ١، وأن أولئك الذين {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ٢.

ومع ذلك، إن السُّنة قد ميزت هنا نوعين من الخطأ الواجب إزالته: الأخطاء التي تنتهك واجبًا شخصيًّا، ويطلق عليه: حق الله، وذلك كأن يعكف المرء على شهواته، عصيانًا لخالقه, والأخطاء التي تضر بحق الغير، ويطلق عليه: حق العباد، وفي الحقيقة: إن حق الله يوجد في جميع واجباتنا، إما في حالة خالصة، وإما مختلطًا بحق آخر إنساني. وعلى ذلك فإن جميع أشكال التوبة، على ما علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي المشار إليها حتى الآن، ليست قادرة على محو كبائرنا، إلا من حيث هي انتهاك لتلك الشريعة المقدسة، فإذا استتبعت الجريمة -فضلًا عن ذلك- أضرارًا تلحق بإخواننا، فلن يتم إصلاحها إلا بإدخال عنصر جديد.

لقد أسفنا على ما اقترفنا من شر، ودعونا الله أن يغفره لنا، وعزمنا ألا نعود إليه، واستفرغنا طاقتنا في مقابلة الفعل السيئ بأعمال طيبة، كل هذا جميل، ومأمور به، وحبيب إلى الله، ولكنه يظل عاجزًا عن أن ينشئ توبة كاملة، إذ يجب أن نحصل على إبراء صريح ومحدود من أولئك الذين أسأنا إليهم، فضلًا عن الندم، والاهتداء. والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من كانت له مظلمة لأحد، من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته،


١ هود: ١١٤.
٢ التوبة: ١٠٢-١٠٣.

<<  <   >  >>