للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينظر إلى الماضي، والحاضر، والمستقبل، ويتجلى في الأفعال، لا في اتخاذ خط سلوك جديد فحسب، ولكن أيضًا في إعادة تجديد البناء الذي تهدم, بصورة منهجية. وتعبير القرآن تعبير بناء جدًّا في هذا الصدد، فهو يضيف دائمًا إلى كلمة "تاب" كلمات أخرى مثل: {وَأَصْلَحَ} أو {وَأَصْلَحُوا} ١ أو قوله: {ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} ٢؛ فهو مجموع من الشروط التي جعلها ضرورية لكسب الغفران الموعود.

وأول دليل على التوبة النصوح، هو الواجب الآنيّ المعجل، الذي بدونه تصبح فكرة التوبة متناقضة. هذا الواجب ينحصر في العدول السريع عن الذنب، أعني: إيقاف الشر الذي كان المذنب يوشك أن يجترحه.

ثم تأتي من بعد ذلك عمليتان إيجابيتان تكملان هذا الدليل، هما: إصلاح الماضي، وتنظيم مستقبل أفضل. وفكرة "الإصلاح" هي وحدها التي تبقى غامضة، لا يستطاع تحديدها كمفهوم له معنى وحيد، وهي تبدو لنا -في الواقع- تغير من طبيعتها تبعًا لنوع الخطأ الواجب إصلاحه.

فإذا كان الخطأ في واجب أهمل، وما زال الأمر به قائمًا، فإن الإصلاح ينبغي أن يتمثل في قضاء حقيقي، ذي طابع أخلاقي، فكلمة "أصلح" هنا تعني "تدارك" فالعمل الناقص يجب أن يعاد، ويؤدى بطريقة مناسبة، آجلًا أو عاجلًا، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيت} ٣، ويقول: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ٤، ولكن حين تكون الحالة شرًّا إيجابيًّا حدث فعلًا، فكيف نصلح ما لا يقبل الإصلاح؟ هنا يظهر معنى آخر للكلمة، فإن "أصلح" لن تعني "أعاد"، بل "عَوَّضَ"


١ البقرة: ١٦٠ والأنعام: ٥٤، والنحل: ١١٩.
٢ المائدة: ٩٣.
٣ الكهف: ٢٤.
٤ البقرة: ١٨٥.

<<  <   >  >>