للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتمثل في أن يأسف الإنسان على الماضي، ثم يؤخر إصلاحه إلى حين، وهنا مكمن الخطر؛ لأن القرآن ينص على أن مغفرة الذنب ليست إلا لمن يتوبون من فورهم، أو بعد قليل: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} ١ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} ٢. والحق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد فسر هذا النص بحيث يوافق أجل التوبة فسحة الحياة، فقال: "إن الله عز وجل ليقبل توبة العبد ما لم يغرغر" ٣.

ولكن إذا كان أجل الحياة مجهولًا لنا، وهو غالبًا ما يحين، على حين غرة، فمن الحكمة أن نستبق الساعة، أعني: أن نكون دائمًا على أهبة السفر، وأن نحسب باستمرار حسابه، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي: "فمهما وقع العبد في ذنب، فصار الذنب نقدًا، والتوبة نسيئة، كان هذا من علامات الخذلان"٤.

ونحن نقول: إن التوبة جزاء إصلاحي، ولكن، كيف نتصور أن موقفًا لاحقًا يمكن أن يصلح موقفًا في الماضي؟

إن كل شيء يتوقف على التحديد الذي نعطيه للكلمات، فإذا كانت الكلمة "يتوب" تعني: يأسف على الشر الذي اقترفه، ويعزم ألا يعود إليه -فإن ذلك لا يكفي بداهة لرفع آثار العمل المقترف، وعليه، فإن التوبة بهذا المعنى لا تؤدي وظيفتها الإصلاحية، في الأخلاق الإسلامية، ففي هذه الأخلاق يقصد "بالتوبة" في الواقع موقف للإرادة أكثر تعقيدًا، موقف.


١ النساء: ١٧.
٢ آل عمران: ١٢٥.
٣ مسلم, كتاب التوبة, باب ٥.
٤ الإحياء ٤/ ٤٥.

<<  <   >  >>