للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منذئذ أمانتها، مع مزيد من الطاقة والحماس. ومن المؤسف أننا لا نستغل دائمًا هذه الإمكانية المتاحة لنا. فليس من النادر، بل كثيرًا ما يحدث، أن تهبط هذه الهزة العابرة فجأة إلى درجة الصفر، وأن تخبو النار التي اشتعلت في بعض اللحظات بسرعة، فتصبح دون أثر في الإرادة، ودون غد في السلوك. وإذن فليست التوبة ثمرة ضرورية للندم، وهو لا يستتبعها كنتيجة مبدئية.

إن الندم أثر طبيعي للصراع، ولكنه ليس جزاء، أما التوبة فهي على عكس ذلك تمامًا: إنها ليست أثر طبيعيًّا، بل هي جزاء، وجزاء أخلاقي بالمعنى الحقيقي، يفترض تدخل الجهد، إنها واجب جديد يفرضه الشرع علينا، على إثر تقصير في الواجب الأولي: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ١، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} ٢، وهي واجب ملح، وعاجل، حتى إنه لا يصادف إرجاء إلا عرضه لخطر زوال فائدته. وأول الأخطار يتمثل في أن استمرار الإرادة في موقفها الخاطئ ينشئ في كل لحظة خطأ جديدًا، والله يقول في صفة المتقين: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} ٣، ورغبة الإنسان في أن يغتنم في حاضره كل الشهوات المتاحة، وأن يؤجل محو كل ذنوبه إلى أن يتوب توبة صادقة مع النزع الأخير -ليست سوى وهم باطل، فإن القرآن يؤكد: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} ٤.

وبين التوبة العاجلة، والتشبث بالموقف المذنب هنالك الحل البليد، الذي


١ النور: ٣١.
٢ التحريم: ٨.
٣ آل عمران: ١٣٥.
٤ النساء: ١٨.

<<  <   >  >>