للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أفكارنا في الأحداث؛ وإما أن نتألم لهذا التناقض، وذلك الضعف في قوانا -تألمنا من تمزق في كياننا.

هذا التفسير النفسي الخالص لانفعالاتنا الأخلاقية يسير في انسجام مع النصوص، فالواقع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينظر إلى حالات النفس هذه على أنها ثواب يقتضيه سلوكنا، وإنما رأى فيها -عوضًا عن ذلك- ترجمة وتحديدًا للإيمان "الأخلاقي"، فقد روى أحمد في مسنده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا ساءتك سيئتك، وسرتك حسنتك, فأنت مؤمن" ١.

وفي حديث آخر -أن درجة شدة هذا اللوم الباطن تعكس صدق إيماننا، وتقيس درجته قياسًا دقيقًا، فنحن نشعر فعلًا بجسامة ذنبنا وخطورته على نحو متفاوت، تبعًا لدرجة شعورنا الحي بالتكليف، وهو قول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "المؤمن يرى ذنبه فوقه كالجبل يخاف أن يقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه فأطاره" ٢.

ولكن، إذا كان الندم لا ينشئ جزءًا ثوابيًّا، ألا يمكن أن يعد بمنزلة جزاء إصلاحي؟

لا يحظى هذا الرأي بأكثر مما حظي به سابقه، فإن ما يعيد تثبيت القانون المنتهك ليس شعورًا معينًا، ولكن موقف جديد للإرادة: هو "التوبة". والندم ليس هو التوبة، بل هو تمهيد لها وإعداد فحسب، فعندما تخضع النفس للشر، يحدث فيها نوع من الصدع، وهي تجد -دون ريب- في حرارة الندم المؤلمة وسيلتها لتلتئم، وتقف من جديد مستجمعة، وتحمل


١ مسند أحمد عن طريق أبي أمامة ٥/ ٢٥١، و٢٥٢, و٢٥٦، وهو أيضًا في المسند١/ ١٨ و٢٦ من حديث عمر بن الخطاب، وهو في المسند ٣/ ٤٤٦ من حديث عامر بن ربيعة. "المعرب".
٢ انظر: الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب ٤٩.

<<  <   >  >>