للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معينة، حسية أو خيالية، ليست أكثر حظًّا من النية الحسنة البليدة، فهي كلها لا تنشئ بالنسبة إلينا عملًا نحاسب عليه، ما دامت الإرادة لم تعزم عليه والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول فيما رواه أبو هريرة: "إن الله تجاوز لي عن أمتي، ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل به أو تكلم" ١.

أما فيما يتعلق بالنية، بالمعنى الدقيق للكلمة، وهي التي لم تترجم إلى عمل؛ لأن الأحداث خالفتها، فليست المسألة أن نعرف إن كانت لها وحدها قيمة أخلاقية، أو إن كانت كافية لتستوجب المثوبة أو العقوبة. فلا ريب مطلقًا في أن المسئولية الأخلاقية تكون كاملة متى ما اتخذ القرار، وذلك قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} ٢.

وحتى لو أننا رجعنا في قرارنا، وأخذنا بعكسه تماما -فإن النية الأولى تكون قد أنتجت آثارها الأخلاقية، اللهم إلا إذا قابلناها بعزم مضاد.

ولكن المسألة الحقيقية هي أن نعرف إذا ما كان لقرار يتحقق كاملًا، ولقرار آخر حيل بينه وبين التحقق -نفس القيمة الأخلاقية تمامًا؟ ولنترك جانبًا الحالة التي تكون فيها هذه الحيلولة نتيجة عجز من جانبنا؛ نتيجة ضعف الجهد، وقصور العزم.

ومن الواضح في هذه الظروف، أن النية لا ينبغي أن تعتبر بالقياس إلى الفعل في نفس الدرجة. ولننظر في الحالة التي يفترض فيها أن طالبي الأخلاقية يستعملان استعمالًا كاملًا سببيتهما الإنسانية، وأنهما لا يهملان أية وسيلة في طاقتهما لتحقيق عمل إرادتهما. ولما كان نجاح أحدهما، وإخفاق الآخر


١ انظر: البخاري, كتاب العتق, باب ٥. وفي الأصل اختلاف عن هذا, قال: "تجاوز لأمتي عما وسوست ... أو تتكلم". "المعرب".
٢ الإسراء: ٣٦.

<<  <   >  >>