للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكي نفهم جيدًا ما يقصده القرآن بهذا الإخلاص ينبغي أن نضيف مجموعتين أخريين من الآيات التي قدم لنا بها تحديدًا -هو في الحقيقة سلبي- ولكنه يعبر أصدق تعبير عن هذا الخضوع الخالص.

ففي المجموعة الأولى يلح القرآن على نقطة هي: أن سيطرة أهوائنا يجب أن تنتفي من أحكامنا، فهي شر وثن يتبع: {فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} ١، {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} ٢, {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ٣.

وفي المجموعة الأخرى يريد القرآن أن يحرر أنفسنا من تأثير العالم الخارجي، فهو يمنعنا من أن نلتمس طاقتنا الأخلاقية في آراء الناس عنا، أو في المواقف التي يمكن أن يتخذوها حيالنا، فرضاهم وسخطهم، ومهابتهم وقدرتهم -يجب ألا نعبأ بها أو نبالي، وحسبنا في ذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} ٤، وقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} ٥ -في مقابل قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} ٦، وقوله: {يُرَاؤُونَ النَّاسَ} ٧, ويريد القرآن أيضًا ألا نبالي بجزاء الناس أو عرفانهم: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} ٨، ومن


١ ٤/ ١٣٥.
٢ ٢٨/ ٥٠.
٣ ٣٨/ ٢٦.
٤ الأحزاب: ٣٩.
٥ المائدة: ٥٤.
٦ النساء: ١٠٨.
٧ النساء: ١٤٢.
٨ الدهر: ٩.

<<  <   >  >>